عبق التواصل
مرحبا بك الزائر العزير بعد اطلاعك على المنتدى يسعدنا ويشرفنا بانضمامك الى منتداك الاول ولك فائق الشكر والتقدير
عبق التواصل
مرحبا بك الزائر العزير بعد اطلاعك على المنتدى يسعدنا ويشرفنا بانضمامك الى منتداك الاول ولك فائق الشكر والتقدير
عبق التواصل
هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.

عبق التواصل

الموقع الرسمى لأبناء القريه 20
 
الرئيسيةأحدث الصورالتسجيلدخول
مرحبا زائرنا الكريم تفضل بالتسجيل شبكة منتديات القريه عشرين تتشرف بانضمامكم اليها

مبروك قروب واتساب القريه عشرين بانجازاتهم المحققه
واتساب القريه عشرين يبشار اكبر انجاز مشروع طريق معبد يربط القريه عشرين بحلفاج
تشيد او حفر بئر مياه شرب عبر واتساب عشرين
بحـث
 
 

نتائج البحث
 
Rechercher بحث متقدم
Like/Tweet/+1
سحابة الكلمات الدلالية
الخطاب
المواضيع الأخيرة
» الرحيل المنسي(1)
تفسير سورة البقرة من الايه 177الى 202 Emptyالأربعاء يوليو 28, 2021 3:54 pm من طرف ابوهزاع الدقنسابي

» الرحيل المنسي (2)
تفسير سورة البقرة من الايه 177الى 202 Emptyالأربعاء يوليو 28, 2021 4:03 am من طرف ابوهزاع الدقنسابي

» رثاء المرحوم/ محمد عبدالرحمن قيل .... بقلم نورالدين ابونوباتيا
تفسير سورة البقرة من الايه 177الى 202 Emptyالسبت سبتمبر 29, 2018 3:11 am من طرف ابوهزاع الدقنسابي

» رثاء المرحوم الاستاذ/ محمد محي الدين عربي ... بقلم.ابونوباتيا
تفسير سورة البقرة من الايه 177الى 202 Emptyالسبت سبتمبر 29, 2018 2:13 am من طرف ابوهزاع الدقنسابي

» إختلف الوضع وتغيرت الحال مما عرفنا حاجه إسمها الإغتراب ...
تفسير سورة البقرة من الايه 177الى 202 Emptyالخميس أغسطس 09, 2018 11:39 pm من طرف ابوهزاع الدقنسابي

» العلاقه بين امبكول وارقو والسراريه
تفسير سورة البقرة من الايه 177الى 202 Emptyالخميس أغسطس 09, 2018 7:32 pm من طرف ابوهزاع الدقنسابي

» الإطار التشريعي لحماية آثار النوبة
تفسير سورة البقرة من الايه 177الى 202 Emptyالأربعاء أغسطس 01, 2018 12:59 am من طرف ابوهزاع الدقنسابي

» سياحمد برسي
تفسير سورة البقرة من الايه 177الى 202 Emptyالسبت يوليو 28, 2018 3:45 am من طرف ابوهزاع الدقنسابي

» الصعوط بالسين ولا الصاد
تفسير سورة البقرة من الايه 177الى 202 Emptyالجمعة يونيو 29, 2018 4:58 pm من طرف ابوهزاع الدقنسابي

مايو 2024
الأحدالإثنينالثلاثاءالأربعاءالخميسالجمعةالسبت
   1234
567891011
12131415161718
19202122232425
262728293031 
اليوميةاليومية
التواجد بالمنتدى والمشاركات
تسجيل صفحاتك المفضلة في مواقع خارجية
تسجيل صفحاتك المفضلة في مواقع خارجية reddit      

قم بحفض و مشاطرة الرابط عبق التواصل على موقع حفض الصفحات

 

 تفسير سورة البقرة من الايه 177الى 202

اذهب الى الأسفل 
كاتب الموضوعرسالة
ابوهزاع الدقنسابي
المدير العام
المدير العام
ابوهزاع الدقنسابي


عدد المساهمات : 890
نقاط : 5127
مرسئ : 0
تاريخ التسجيل : 26/08/2013
الموقع : شبكة منتديات القريه عشرين
العمل/الترفيه : المدير العام

تفسير سورة البقرة من الايه 177الى 202 Empty
مُساهمةموضوع: تفسير سورة البقرة من الايه 177الى 202   تفسير سورة البقرة من الايه 177الى 202 Emptyالأربعاء مارس 12, 2014 6:50 pm

2 ﺗﻔﺴﻴﺮ ﺳﻮﺭﺓ ﺍﻟﺒﻘﺮﺓ ﻋﺪﺩ ﺁﻳﺎﺗﻬﺎ 286 )
ﺁﻳﺔ 202-177 (
ﻭﻫﻲ ﻣﺪﻧﻴﺔ
} 177 { } ﻟَﻴْﺲَ ﺍﻟْﺒِﺮَّ ﺃَﻥْ ﺗُﻮَﻟُّﻮﺍ ﻭُﺟُﻮﻫَﻜُﻢْ
ﻗِﺒَﻞَ ﺍﻟْﻤَﺸْﺮِﻕِ ﻭَﺍﻟْﻤَﻐْﺮِﺏِ ﻭَﻟَﻜِﻦَّ ﺍﻟْﺒِﺮَّ ﻣَﻦْ ﺁﻣَﻦَ
ﺑِﺎﻟﻠَّﻪِ ﻭَﺍﻟْﻴَﻮْﻡِ ﺍﻟْﺂﺧِﺮِ ﻭَﺍﻟْﻤَﻠَﺎﺋِﻜَﺔِ ﻭَﺍﻟْﻜِﺘَﺎﺏِ
ﻭَﺍﻟﻨَّﺒِﻴِّﻴﻦَ ﻭَﺁﺗَﻰ ﺍﻟْﻤَﺎﻝَ ﻋَﻠَﻰ ﺣُﺒِّﻪِ ﺫَﻭِﻱ ﺍﻟْﻘُﺮْﺑَﻰ
ﻭَﺍﻟْﻴَﺘَﺎﻣَﻰ ﻭَﺍﻟْﻤَﺴَﺎﻛِﻴﻦَ ﻭَﺍﺑْﻦَ ﺍﻟﺴَّﺒِﻴﻞِ
ﻭَﺍﻟﺴَّﺎﺋِﻠِﻴﻦَ ﻭَﻓِﻲ ﺍﻟﺮِّﻗَﺎﺏِ ﻭَﺃَﻗَﺎﻡَ ﺍﻟﺼَّﻠَﺎﺓَ ﻭَﺁﺗَﻰ
ﺍﻟﺰَّﻛَﺎﺓَ ﻭَﺍﻟْﻤُﻮﻓُﻮﻥَ ﺑِﻌَﻬْﺪِﻫِﻢْ ﺇِﺫَﺍ ﻋَﺎﻫَﺪُﻭﺍ
ﻭَﺍﻟﺼَّﺎﺑِﺮِﻳﻦَ ﻓِﻲ ﺍﻟْﺒَﺄْﺳَﺎﺀِ ﻭَﺍﻟﻀَّﺮَّﺍﺀِ ﻭَﺣِﻴﻦَ
ﺍﻟْﺒَﺄْﺱِ ﺃُﻭﻟَﺌِﻚَ ﺍﻟَّﺬِﻳﻦَ ﺻَﺪَﻗُﻮﺍ ﻭَﺃُﻭﻟَﺌِﻚَ ﻫُﻢُ
ﺍﻟْﻤُﺘَّﻘُﻮﻥَ {
ﻳﻘﻮﻝ ﺗﻌﺎﻟﻰ : } ﻟَﻴْﺲَ ﺍﻟْﺒِﺮَّ ﺃَﻥْ ﺗُﻮَﻟُّﻮﺍ
ﻭُﺟُﻮﻫَﻜُﻢْ ﻗِﺒَﻞَ ﺍﻟْﻤَﺸْﺮِﻕِ ﻭَﺍﻟْﻤَﻐْﺮِﺏِ { ﺃﻱ:
ﻟﻴﺲ ﻫﺬﺍ ﻫﻮ ﺍﻟﺒﺮ ﺍﻟﻤﻘﺼﻮﺩ ﻣﻦ ﺍﻟﻌﺒﺎﺩ ,
ﻓﻴﻜﻮﻥ ﻛﺜﺮﺓ ﺍﻟﺒﺤﺚ ﻓﻴﻪ ﻭﺍﻟﺠﺪﺍﻝ ﻣﻦ
ﺍﻟﻌﻨﺎﺀ ﺍﻟﺬﻱ ﻟﻴﺲ ﺗﺤﺘﻪ ﺇﻻ ﺍﻟﺸﻘﺎﻕ
ﻭﺍﻟﺨﻼﻑ، ﻭﻫﺬﺍ ﻧﻈﻴﺮ ﻗﻮﻟﻪ ﺻﻠﻰ ﺍﻟﻠﻪ ﻋﻠﻴﻪ
ﻭﺳﻠﻢ : " ﻟﻴﺲ ﺍﻟﺸﺪﻳﺪ ﺑﺎﻟﺼﺮﻋﺔ , ﺇﻧﻤﺎ
ﺍﻟﺸﺪﻳﺪ ﺍﻟﺬﻱ ﻳﻤﻠﻚ ﻧﻔﺴﻪ ﻋﻨﺪ ﺍﻟﻐﻀﺐ "
ﻭﻧﺤﻮ ﺫﻟﻚ.
} ﻭَﻟَﻜِﻦَّ ﺍﻟْﺒِﺮَّ ﻣَﻦْ ﺁﻣَﻦَ ﺑِﺎﻟﻠَّﻪِ { ﺃﻱ: ﺑﺄﻧﻪ ﺇﻟﻪ
ﻭﺍﺣﺪ , ﻣﻮﺻﻮﻑ ﺑﻜﻞ ﺻﻔﺔ ﻛﻤﺎﻝ , ﻣﻨﺰﻩ ﻋﻦ
ﻛﻞ ﻧﻘﺺ.
} ﻭَﺍﻟْﻴَﻮْﻡِ ﺍﻟْﺂﺧِﺮِ { ﻭﻫﻮ ﻛﻞ ﻣﺎ ﺃﺧﺒﺮ ﺍﻟﻠﻪ ﺑﻪ
ﻓﻲ ﻛﺘﺎﺑﻪ , ﺃﻭ ﺃﺧﺒﺮ ﺑﻪ ﺍﻟﺮﺳﻮﻝ , ﻣﻤﺎ ﻳﻜﻮﻥ
ﺑﻌﺪ ﺍﻟﻤﻮﺕ.
} ﻭَﺍﻟْﻤَﻠَﺎﺋِﻜَﺔِ { ﺍﻟﺬﻳﻦ ﻭﺻﻔﻬﻢ ﺍﻟﻠﻪ ﻟﻨﺎ ﻓﻲ
ﻛﺘﺎﺑﻪ , ﻭﻭﺻﻔﻬﻢ ﺭﺳﻮﻟﻪ ﺻﻠﻰ ﺍﻟﻠﻪ ﻋﻠﻴﻪ
ﻭﺳﻠﻢ } ﻭَﺍﻟْﻜِﺘَﺎﺏِ { ﺃﻱ : ﺟﻨﺲ ﺍﻟﻜﺘﺐ ﺍﻟﺘﻲ
ﺃﻧﺰﻟﻬﺎ ﺍﻟﻠﻪ ﻋﻠﻰ ﺭﺳﻮﻟﻪ , ﻭﺃﻋﻈﻤﻬﺎ ﺍﻟﻘﺮﺁﻥ ,
ﻓﻴﺆﻣﻦ ﺑﻤﺎ ﺗﻀﻤﻨﻪ ﻣﻦ ﺍﻷﺧﺒﺎﺭ ﻭﺍﻷﺣﻜﺎﻡ،
} ﻭَﺍﻟﻨَّﺒِﻴِّﻴﻦَ { ﻋﻤﻮﻣﺎ , ﺧﺼﻮﺻﺎ ﺧﺎﺗﻤﻬﻢ
ﻭﺃﻓﻀﻠﻬﻢ ﻣﺤﻤﺪ ﺻﻠﻰ ﺍﻟﻠﻪ ﻋﻠﻴﻪ ﻭﺳﻠﻢ .
} ﻭَﺁﺗَﻰ ﺍﻟْﻤَﺎﻝَ { ﻭﻫﻮ ﻛﻞ ﻣﺎ ﻳﺘﻤﻮﻟﻪ
ﺍﻹﻧﺴﺎﻥ ﻣﻦ ﻣﺎﻝ , ﻗﻠﻴﻼ ﻛﺎﻥ ﺃﻭ ﻛﺜﻴﺮﺍ، ﺃﻱ:
ﺃﻋﻄﻰ ﺍﻟﻤﺎﻝ } ﻋَﻠَﻰ ﺣُﺒِّﻪِ { ﺃﻱ: ﺣﺐ ﺍﻟﻤﺎﻝ ،
ﺑﻴَّﻦ ﺑﻪ ﺃﻥ ﺍﻟﻤﺎﻝ ﻣﺤﺒﻮﺏ ﻟﻠﻨﻔﻮﺱ , ﻓﻼ
ﻳﻜﺎﺩ ﻳﺨﺮﺟﻪ ﺍﻟﻌﺒﺪ .
ﻓﻤﻦ ﺃﺧﺮﺟﻪ ﻣﻊ ﺣﺒﻪ ﻟﻪ ﺗﻘﺮﺑﺎ ﺇﻟﻰ ﺍﻟﻠﻪ
ﺗﻌﺎﻟﻰ , ﻛﺎﻥ ﻫﺬﺍ ﺑﺮﻫﺎﻧﺎ ﻹﻳﻤﺎﻧﻪ، ﻭﻣﻦ ﺇﻳﺘﺎﺀ
ﺍﻟﻤﺎﻝ ﻋﻠﻰ ﺣﺒﻪ , ﺃﻥ ﻳﺘﺼﺪﻕ ﻭﻫﻮ ﺻﺤﻴﺢ
ﺷﺤﻴﺢ , ﻳﺄﻣﻞ ﺍﻟﻐﻨﻰ , ﻭﻳﺨﺸﻰ ﺍﻟﻔﻘﺮ،
ﻭﻛﺬﻟﻚ ﺇﺫﺍ ﻛﺎﻧﺖ ﺍﻟﺼﺪﻗﺔ ﻋﻦ ﻗﻠﺔ , ﻛﺎﻧﺖ
ﺃﻓﻀﻞ , ﻷﻧﻪ ﻓﻲ ﻫﺬﻩ ﺍﻟﺤﺎﻝ , ﻳﺤﺐ
ﺇﻣﺴﺎﻛﻪ , ﻟﻤﺎ ﻳﺘﻮﻫﻤﻪ ﻣﻦ ﺍﻟﻌﺪﻡ ﻭﺍﻟﻔﻘﺮ.
ﻭﻛﺬﻟﻚ ﺇﺧﺮﺍﺝ ﺍﻟﻨﻔﻴﺲ ﻣﻦ ﺍﻟﻤﺎﻝ , ﻭﻣﺎ
ﻳﺤﺒﻪ ﻣﻦ ﻣﺎﻟﻪ ﻛﻤﺎ ﻗﺎﻝ ﺗﻌﺎﻟﻰ : } ﻟَﻦْ ﺗَﻨَﺎﻟُﻮﺍ
ﺍﻟْﺒِﺮَّ ﺣَﺘَّﻰ ﺗُﻨْﻔِﻘُﻮﺍ ﻣِﻤَّﺎ ﺗُﺤِﺒُّﻮﻥَ { ﻓﻜﻞ ﻫﺆﻻﺀ
ﻣﻤﻦ ﺁﺗﻰ ﺍﻟﻤﺎﻝ ﻋﻠﻰ ﺣﺒﻪ.
ﺛﻢ ﺫﻛﺮ ﺍﻟﻤﻨﻔﻖ ﻋﻠﻴﻬﻢ , ﻭﻫﻢ ﺃﻭﻟﻰ ﺍﻟﻨﺎﺱ
ﺑﺒﺮﻙ ﻭﺇﺣﺴﺎﻧﻚ. ﻣﻦ ﺍﻷﻗﺎﺭﺏ ﺍﻟﺬﻳﻦ ﺗﺘﻮﺟﻊ
ﻟﻤﺼﺎﺑﻬﻢ , ﻭﺗﻔﺮﺡ ﺑﺴﺮﻭﺭﻫﻢ , ﺍﻟﺬﻳﻦ
ﻳﺘﻨﺎﺻﺮﻭﻥ ﻭﻳﺘﻌﺎﻗﻠﻮﻥ، ﻓﻤﻦ ﺃﺣﺴﻦ ﺍﻟﺒﺮ
ﻭﺃﻭﻓﻘﻪ , ﺗﻌﺎﻫﺪ ﺍﻷﻗﺎﺭﺏ ﺑﺎﻹﺣﺴﺎﻥ ﺍﻟﻤﺎﻟﻲ
ﻭﺍﻟﻘﻮﻟﻲ , ﻋﻠﻰ ﺣﺴﺐ ﻗﺮﺑﻬﻢ ﻭﺣﺎﺟﺘﻬﻢ .
ﻭﻣﻦ ﺍﻟﻴﺘﺎﻣﻰ ﺍﻟﺬﻳﻦ ﻻ ﻛﺎﺳﺐ ﻟﻬﻢ , ﻭﻟﻴﺲ
ﻟﻬﻢ ﻗﻮﺓ ﻳﺴﺘﻐﻨﻮﻥ ﺑﻬﺎ، ﻭﻫﺬﺍ ﻣﻦ ﺭﺣﻤﺘﻪ
] ﺗﻌﺎﻟﻰ [ ﺑﺎﻟﻌﺒﺎﺩ , ﺍﻟﺪﺍﻟﺔ ﻋﻠﻰ ﺃﻧﻪ ﺗﻌﺎﻟﻰ
ﺃﺭﺣﻢ ﺑﻬﻢ ﻣﻦ ﺍﻟﻮﺍﻟﺪ ﺑﻮﻟﺪﻩ، ﻓﺎﻟﻠﻪ ﻗﺪ
ﺃﻭﺻﻰ ﺍﻟﻌﺒﺎﺩ , ﻭﻓﺮﺽ ﻋﻠﻴﻬﻢ ﻓﻲ ﺃﻣﻮﺍﻟﻬﻢ ,
ﺍﻹﺣﺴﺎﻥ ﺇﻟﻰ ﻣﻦ ﻓﻘﺪ ﺁﺑﺎﺅﻫﻢ ﻟﻴﺼﻴﺮﻭﺍ
ﻛﻤﻦ ﻟﻢ ﻳﻔﻘﺪ ﻭﺍﻟﺪﻳﻪ، ﻭﻷﻥ ﺍﻟﺠﺰﺍﺀ ﻣﻦ
ﺟﻨﺲ ﺍﻟﻌﻤﻞ ﻓﻤﻦ ﺭﺣﻢ ﻳﺘﻴﻢ ﻏﻴﺮﻩ , ﺭُﺣِﻢَ
ﻳﺘﻴﻤﻪ .
} ﻭَﺍﻟْﻤَﺴَﺎﻛِﻴﻦ { ﻭﻫﻢ ﺍﻟﺬﻳﻦ ﺃﺳﻜﻨﺘﻬﻢ
ﺍﻟﺤﺎﺟﺔ , ﻭﺃﺫﻟﻬﻢ ﺍﻟﻔﻘﺮ ﻓﻠﻬﻢ ﺣﻖ ﻋﻠﻰ
ﺍﻷﻏﻨﻴﺎﺀ , ﺑﻤﺎ ﻳﺪﻓﻊ ﻣﺴﻜﻨﺘﻬﻢ ﺃﻭ ﻳﺨﻔﻔﻬﺎ ,
ﺑﻤﺎ ﻳﻘﺪﺭﻭﻥ ﻋﻠﻴﻪ , ﻭﺑﻤﺎ ﻳﺘﻴﺴﺮ، } ﻭَﺍﺑْﻦَ
ﺍﻟﺴَّﺒِﻴﻞِ { ﻭﻫﻮ ﺍﻟﻐﺮﻳﺐ ﺍﻟﻤﻨﻘﻄﻊ ﺑﻪ ﻓﻲ ﻏﻴﺮ
ﺑﻠﺪﻩ، ﻓﺤﺚ ﺍﻟﻠﻪ ﻋﺒﺎﺩﻩ ﻋﻠﻰ ﺇﻋﻄﺎﺋﻪ ﻣﻦ
ﺍﻟﻤﺎﻝ , ﻣﺎ ﻳﻌﻴﻨﻪ ﻋﻠﻰ ﺳﻔﺮﻩ , ﻟﻜﻮﻧﻪ ﻣﻈﻨﺔ
ﺍﻟﺤﺎﺟﺔ , ﻭﻛﺜﺮﺓ ﺍﻟﻤﺼﺎﺭﻑ، ﻓﻌﻠﻰ ﻣﻦ ﺃﻧﻌﻢ
ﺍﻟﻠﻪ ﻋﻠﻴﻪ ﺑﻮﻃﻨﻪ ﻭﺭﺍﺣﺘﻪ , ﻭﺧﻮﻟﻪ ﻣﻦ
ﻧﻌﻤﺘﻪ , ﺃﻥ ﻳﺮﺣﻢ ﺃﺧﺎﻩ ﺍﻟﻐﺮﻳﺐ , ﺍﻟﺬﻱ ﺑﻬﺬﻩ
ﺍﻟﺼﻔﺔ , ﻋﻠﻰ ﺣﺴﺐ ﺍﺳﺘﻄﺎﻋﺘﻪ , ﻭﻟﻮ
ﺑﺘﺰﻭﻳﺪﻩ ﺃﻭ ﺇﻋﻄﺎﺋﻪ ﺁﻟﺔ ﻟﺴﻔﺮﻩ , ﺃﻭ ﺩﻓﻊ ﻣﺎ
ﻳﻨﻮﺑﻪ ﻣﻦ ﺍﻟﻤﻈﺎﻟﻢ ﻭﻏﻴﺮﻫﺎ .
} ﻭَﺍﻟﺴَّﺎﺋِﻠِﻴﻦَ { ﺃﻱ: ﺍﻟﺬﻳﻦ ﺗﻌﺮﺽ ﻟﻬﻢ ﺣﺎﺟﺔ
ﻣﻦ ﺍﻟﺤﻮﺍﺋﺞ , ﺗﻮﺟﺐ ﺍﻟﺴﺆﺍﻝ، ﻛﻤﻦ ﺍﺑﺘﻠﻲ
ﺑﺄﺭﺵ ﺟﻨﺎﻳﺔ , ﺃﻭ ﺿﺮﻳﺒﺔ ﻋﻠﻴﻪ ﻣﻦ ﻭﻻﺓ
ﺍﻷﻣﻮﺭ , ﺃﻭ ﻳﺴﺄﻝ ﺍﻟﻨﺎﺱ ﻟﺘﻌﻤﻴﺮ ﺍﻟﻤﺼﺎﻟﺢ
ﺍﻟﻌﺎﻣﺔ , ﻛﺎﻟﻤﺴﺎﺟﺪ , ﻭﺍﻟﻤﺪﺍﺭﺱ , ﻭﺍﻟﻘﻨﺎﻃﺮ ,
ﻭﻧﺤﻮ ﺫﻟﻚ , ﻓﻬﺬﺍ ﻟﻪ ﺣﻖ ﻭﺇﻥ ﻛﺎﻥ ﻏﻨﻴﺎ
} ﻭَﻓِﻲ ﺍﻟﺮِّﻗَﺎﺏِ { ﻓﻴﺪﺧﻞ ﻓﻴﻪ ﺍﻟﻌﺘﻖ
ﻭﺍﻹﻋﺎﻧﺔ ﻋﻠﻴﻪ , ﻭﺑﺬﻝ ﻣﺎﻝ ﻟﻠﻤﻜﺎﺗﺐ ﻟﻴﻮﻓﻲ
ﺳﻴﺪﻩ , ﻭﻓﺪﺍﺀ ﺍﻷﺳﺮﻯ ﻋﻨﺪ ﺍﻟﻜﻔﺎﺭ ﺃﻭ ﻋﻨﺪ
ﺍﻟﻈﻠﻤﺔ.
} ﻭَﺃَﻗَﺎﻡَ ﺍﻟﺼَّﻠَﺎﺓَ ﻭَﺁﺗَﻰ ﺍﻟﺰَّﻛَﺎﺓَ { ﻗﺪ ﺗﻘﺪﻡ
ﻣﺮﺍﺭﺍ , ﺃﻥ ﺍﻟﻠﻪ ﺗﻌﺎﻟﻰ ﻳﻘﺮﻥ ﺑﻴﻦ ﺍﻟﺼﻼﺓ
ﻭﺍﻟﺰﻛﺎﺓ , ﻟﻜﻮﻧﻬﻤﺎ ﺃﻓﻀﻞ ﺍﻟﻌﺒﺎﺩﺍﺕ , ﻭﺃﻛﻤﻞ
ﺍﻟﻘﺮﺑﺎﺕ , ﻋﺒﺎﺩﺍﺕ ﻗﻠﺒﻴﺔ , ﻭﺑﺪﻧﻴﺔ , ﻭﻣﺎﻟﻴﺔ ,
ﻭﺑﻬﻤﺎ ﻳﻮﺯﻥ ﺍﻹﻳﻤﺎﻥ , ﻭﻳﻌﺮﻑ ﻣﺎ ﻣﻊ ﺻﺎﺣﺒﻪ
ﻣﻦ ﺍﻹﻳﻘﺎﻥ.
} ﻭَﺍﻟْﻤُﻮﻓُﻮﻥَ ﺑِﻌَﻬْﺪِﻫِﻢْ ﺇِﺫَﺍ ﻋَﺎﻫَﺪُﻭﺍ { ﻭﺍﻟﻌﻬﺪ:
ﻫﻮ ﺍﻻﻟﺘﺰﺍﻡ ﺑﺈﻟﺰﺍﻡ ﺍﻟﻠﻪ ﺃﻭ ﺇﻟﺰﺍﻡ ﺍﻟﻌﺒﺪ
ﻟﻨﻔﺴﻪ . ﻓﺪﺧﻞ ﻓﻲ ﺫﻟﻚ ﺣﻘﻮﻕ ﺍﻟﻠﻪ ﻛﻠﻬﺎ ,
ﻟﻜﻮﻥ ﺍﻟﻠﻪ ﺃﻟﺰﻡ ﺑﻬﺎ ﻋﺒﺎﺩﻩ ﻭﺍﻟﺘﺰﻣﻮﻫﺎ ,
ﻭﺩﺧﻠﻮﺍ ﺗﺤﺖ ﻋﻬﺪﺗﻬﺎ , ﻭﻭﺟﺐ ﻋﻠﻴﻬﻢ
ﺃﺩﺍﺅﻫﺎ , ﻭﺣﻘﻮﻕ ﺍﻟﻌﺒﺎﺩ , ﺍﻟﺘﻲ ﺃﻭﺟﺒﻬﺎ ﺍﻟﻠﻪ
ﻋﻠﻴﻬﻢ , ﻭﺍﻟﺤﻘﻮﻕ ﺍﻟﺘﻲ ﺍﻟﺘﺰﻣﻬﺎ ﺍﻟﻌﺒﺪ
ﻛﺎﻷﻳﻤﺎﻥ ﻭﺍﻟﻨﺬﻭﺭ , ﻭﻧﺤﻮ ﺫﻟﻚ.
} ﻭَﺍﻟﺼَّﺎﺑِﺮِﻳﻦَ ﻓِﻲ ﺍﻟْﺒَﺄْﺳَﺎﺀِ { ﺃﻱ : ﺍﻟﻔﻘﺮ , ﻷﻥ
ﺍﻟﻔﻘﻴﺮ ﻳﺤﺘﺎﺝ ﺇﻟﻰ ﺍﻟﺼﺒﺮ ﻣﻦ ﻭﺟﻮﻩ ﻛﺜﻴﺮﺓ ,
ﻟﻜﻮﻧﻪ ﻳﺤﺼﻞ ﻟﻪ ﻣﻦ ﺍﻵﻻﻡ ﺍﻟﻘﻠﺒﻴﺔ
ﻭﺍﻟﺒﺪﻧﻴﺔ ﺍﻟﻤﺴﺘﻤﺮﺓ ﻣﺎ ﻻ ﻳﺤﺼﻞ ﻟﻐﻴﺮﻩ .
ﻓﺈﻥ ﺗﻨﻌﻢ ﺍﻷﻏﻨﻴﺎﺀ ﺑﻤﺎ ﻻ ﻳﻘﺪﺭ ﻋﻠﻴﻪ ﺗﺄﻟﻢ،
ﻭﺇﻥ ﺟﺎﻉ ﺃﻭ ﺟﺎﻋﺖ ﻋﻴﺎﻟﻪ ﺗﺄﻟﻢ، ﻭﺇﻥ ﺃﻛﻞ
ﻃﻌﺎﻣﺎ ﻏﻴﺮ ﻣﻮﺍﻓﻖ ﻟﻬﻮﺍﻩ ﺗﺄﻟﻢ، ﻭﺇﻥ ﻋﺮﻯ ﺃﻭ
ﻛﺎﺩ ﺗﺄﻟﻢ , ﻭﺇﻥ ﻧﻈﺮ ﺇﻟﻰ ﻣﺎ ﺑﻴﻦ ﻳﺪﻳﻪ ﻭﻣﺎ
ﻳﺘﻮﻫﻤﻪ ﻣﻦ ﺍﻟﻤﺴﺘﻘﺒﻞ ﺍﻟﺬﻱ ﻳﺴﺘﻌﺪ ﻟﻪ
ﺗﺄﻟﻢ , ﻭﺇﻥ ﺃﺻﺎﺑﻪ ﺍﻟﺒﺮﺩ ﺍﻟﺬﻱ ﻻ ﻳﻘﺪﺭ ﻋﻠﻰ
ﺩﻓﻌﻪ ﺗﺄﻟﻢ .
ﻓﻜﻞ ﻫﺬﻩ ﻭﻧﺤﻮﻫﺎ , ﻣﺼﺎﺋﺐ , ﻳﺆﻣﺮ ﺑﺎﻟﺼﺒﺮ
ﻋﻠﻴﻬﺎ , ﻭﺍﻻﺣﺘﺴﺎﺏ , ﻭﺭﺟﺎﺀ ﺍﻟﺜﻮﺍﺏ ﻣﻦ ﺍﻟﻠﻪ
ﻋﻠﻴﻬﺎ.
} ﻭَﺍﻟﻀَّﺮَّﺍﺀِ { ﺃﻱ : ﺍﻟﻤﺮﺽ ﻋﻠﻰ ﺍﺧﺘﻼﻑ
ﺃﻧﻮﺍﻋﻪ , ﻣﻦ ﺣﻤﻰ , ﻭﻗﺮﻭﺡ , ﻭﺭﻳﺎﺡ , ﻭﻭﺟﻊ
ﻋﻀﻮ , ﺣﺘﻰ ﺍﻟﻀﺮﺱ ﻭﺍﻹﺻﺒﻊ ﻭﻧﺤﻮ ﺫﻟﻚ ,
ﻓﺈﻧﻪ ﻳﺤﺘﺎﺝ ﺇﻟﻰ ﺍﻟﺼﺒﺮ ﻋﻠﻰ ﺫﻟﻚ؛ ﻷﻥ
ﺍﻟﻨﻔﺲ ﺗﻀﻌﻒ , ﻭﺍﻟﺒﺪﻥ ﻳﺄﻟﻢ , ﻭﺫﻟﻚ ﻓﻲ
ﻏﺎﻳﺔ ﺍﻟﻤﺸﻘﺔ ﻋﻠﻰ ﺍﻟﻨﻔﻮﺱ , ﺧﺼﻮﺻﺎ ﻣﻊ
ﺗﻄﺎﻭﻝ ﺫﻟﻚ , ﻓﺈﻧﻪ ﻳﺆﻣﺮ ﺑﺎﻟﺼﺒﺮ , ﺍﺣﺘﺴﺎﺑﺎ
ﻟﺜﻮﺍﺏ ﺍﻟﻠﻪ ] ﺗﻌﺎﻟﻰ [.
} ﻭَﺣِﻴﻦَ ﺍﻟْﺒَﺄْﺱِ { ﺃﻱ : ﻭﻗﺖ ﺍﻟﻘﺘﺎﻝ ﻟﻸﻋﺪﺍﺀ
ﺍﻟﻤﺄﻣﻮﺭ ﺑﻘﺘﺎﻟﻬﻢ , ﻷﻥ ﺍﻟﺠﻼﺩ , ﻳﺸﻖ ﻏﺎﻳﺔ
ﺍﻟﻤﺸﻘﺔ ﻋﻠﻰ ﺍﻟﻨﻔﺲ , ﻭﻳﺠﺰﻉ ﺍﻹﻧﺴﺎﻥ ﻣﻦ
ﺍﻟﻘﺘﻞ , ﺃﻭ ﺍﻟﺠﺮﺍﺡ ﺃﻭ ﺍﻷﺳﺮ , ﻓﺎﺣﺘﻴﺞ ﺇﻟﻰ
ﺍﻟﺼﺒﺮ ﻓﻲ ﺫﻟﻚ ﺍﺣﺘﺴﺎﺑﺎ , ﻭﺭﺟﺎﺀ ﻟﺜﻮﺍﺏ
ﺍﻟﻠﻪ ] ﺗﻌﺎﻟﻰ [ ﺍﻟﺬﻱ ﻣﻨﻪ ﺍﻟﻨﺼﺮ ﻭﺍﻟﻤﻌﻮﻧﺔ ,
ﺍﻟﺘﻲ ﻭﻋﺪﻫﺎ ﺍﻟﺼﺎﺑﺮﻳﻦ .
} ﺃُﻭﻟَﺌِﻚَ { ﺃﻱ: ﺍﻟﻤﺘﺼﻔﻮﻥ ﺑﻤﺎ ﺫﻛﺮ ﻣﻦ
ﺍﻟﻌﻘﺎﺋﺪ ﺍﻟﺤﺴﻨﺔ , ﻭﺍﻷﻋﻤﺎﻝ ﺍﻟﺘﻲ ﻫﻲ ﺁﺛﺎﺭ
ﺍﻹﻳﻤﺎﻥ , ﻭﺑﺮﻫﺎﻧﻪ ﻭﻧﻮﺭﻩ , ﻭﺍﻷﺧﻼﻕ ﺍﻟﺘﻲ
ﻫﻲ ﺟﻤﺎﻝ ﺍﻹﻧﺴﺎﻥ ﻭﺣﻘﻴﻘﺔ ﺍﻹﻧﺴﺎﻧﻴﺔ،
ﻓﺄﻭﻟﺌﻚ ﻫﻢ } ﺍﻟَّﺬِﻳﻦَ ﺻَﺪَﻗُﻮﺍ { ﻓﻲ ﺇﻳﻤﺎﻧﻬﻢ ,
ﻷﻥ ﺃﻋﻤﺎﻟﻬﻢ ﺻﺪﻗﺖ ﺇﻳﻤﺎﻧﻬﻢ، } ﻭَﺃُﻭﻟَﺌِﻚَ ﻫُﻢُ
ﺍﻟْﻤُﺘَّﻘُﻮﻥَ { ﻷﻧﻬﻢ ﺗﺮﻛﻮﺍ ﺍﻟﻤﺤﻈﻮﺭ , ﻭﻓﻌﻠﻮﺍ
ﺍﻟﻤﺄﻣﻮﺭ؛ ﻷﻥ ﻫﺬﻩ ﺍﻷﻣﻮﺭ ﻣﺸﺘﻤﻠﺔ ﻋﻠﻰ ﻛﻞ
ﺧﺼﺎﻝ ﺍﻟﺨﻴﺮ , ﺗﻀﻤﻨﺎ ﻭﻟﺰﻭﻣﺎ , ﻷﻥ ﺍﻟﻮﻓﺎﺀ
ﺑﺎﻟﻌﻬﺪ , ﻳﺪﺧﻞ ﻓﻴﻪ ﺍﻟﺪﻳﻦ ﻛﻠﻪ، ﻭﻷﻥ
ﺍﻟﻌﺒﺎﺩﺍﺕ ﺍﻟﻤﻨﺼﻮﺹ ﻋﻠﻴﻬﺎ ﻓﻲ ﻫﺬﻩ ﺍﻵﻳﺔ
ﺃﻛﺒﺮ ﺍﻟﻌﺒﺎﺩﺍﺕ، ﻭﻣﻦ ﻗﺎﻡ ﺑﻬﺎ , ﻛﺎﻥ ﺑﻤﺎ
ﺳﻮﺍﻫﺎ ﺃﻗﻮﻡ , ﻓﻬﺆﻻﺀ ﻫﻢ ﺍﻷﺑﺮﺍﺭ ﺍﻟﺼﺎﺩﻗﻮﻥ
ﺍﻟﻤﺘﻘﻮﻥ .
ﻭﻗﺪ ﻋﻠﻢ ﻣﺎ ﺭﺗﺐ ﺍﻟﻠﻪ ﻋﻠﻰ ﻫﺬﻩ ﺍﻷﻣﻮﺭ
ﺍﻟﺜﻼﺛﺔ , ﻣﻦ ﺍﻟﺜﻮﺍﺏ ﺍﻟﺪﻧﻴﻮﻱ ﻭﺍﻷﺧﺮﻭﻱ ,
ﻣﻤﺎ ﻻ ﻳﻤﻜﻦ ﺗﻔﺼﻴﻠﻪ ﻓﻲ ] ﻣﺜﻞ [ ﻫﺬﺍ
ﺍﻟﻤﻮﺿﻊ .
} 178 - 179 { } ﻳَﺎ ﺃَﻳُّﻬَﺎ ﺍﻟَّﺬِﻳﻦَ ﺁﻣَﻨُﻮﺍ ﻛُﺘِﺐَ
ﻋَﻠَﻴْﻜُﻢُ ﺍﻟْﻘِﺼَﺎﺹُ ﻓِﻲ ﺍﻟْﻘَﺘْﻠَﻰ ﺍﻟْﺤُﺮُّ ﺑِﺎﻟْﺤُﺮِّ
ﻭَﺍﻟْﻌَﺒْﺪُ ﺑِﺎﻟْﻌَﺒْﺪِ ﻭَﺍﻟْﺄُﻧْﺜَﻰ ﺑِﺎﻟْﺄُﻧْﺜَﻰ ﻓَﻤَﻦْ ﻋُﻔِﻲَ ﻟَﻪُ
ﻣِﻦْ ﺃَﺧِﻴﻪِ ﺷَﻲْﺀٌ ﻓَﺎﺗِّﺒَﺎﻉٌ ﺑِﺎﻟْﻤَﻌْﺮُﻭﻑِ ﻭَﺃَﺩَﺍﺀٌ
ﺇِﻟَﻴْﻪِ ﺑِﺈِﺣْﺴَﺎﻥٍ ﺫَﻟِﻚَ ﺗَﺨْﻔِﻴﻒٌ ﻣِﻦْ ﺭَﺑِّﻜُﻢْ
ﻭَﺭَﺣْﻤَﺔٌ ﻓَﻤَﻦِ ﺍﻋْﺘَﺪَﻯ ﺑَﻌْﺪَ ﺫَﻟِﻚَ ﻓَﻠَﻪُ ﻋَﺬَﺍﺏٌ
ﺃَﻟِﻴﻢٌ * ﻭَﻟَﻜُﻢْ ﻓِﻲ ﺍﻟْﻘِﺼَﺎﺹِ ﺣَﻴَﺎﺓٌ ﻳَﺎ ﺃُﻭﻟِﻲ
ﺍﻟْﺄَﻟْﺒَﺎﺏِ ﻟَﻌَﻠَّﻜُﻢْ ﺗَﺘَّﻘُﻮﻥَ {
ﻳﻤﺘﻦ ﺗﻌﺎﻟﻰ ﻋﻠﻰ ﻋﺒﺎﺩﻩ ﺍﻟﻤﺆﻣﻨﻴﻦ , ﺑﺄﻧﻪ
ﻓﺮﺽ ﻋﻠﻴﻬﻢ } ﺍﻟْﻘِﺼَﺎﺹُ ﻓِﻲ ﺍﻟْﻘَﺘْﻠَﻰ { ﺃﻱ:
ﺍﻟﻤﺴﺎﻭﺍﺓ ﻓﻴﻪ , ﻭﺃﻥ ﻳﻘﺘﻞ ﺍﻟﻘﺎﺗﻞ ﻋﻠﻰ
ﺍﻟﺼﻔﺔ , ﺍﻟﺘﻲ ﻗﺘﻞ ﻋﻠﻴﻬﺎ ﺍﻟﻤﻘﺘﻮﻝ , ﺇﻗﺎﻣﺔ
ﻟﻠﻌﺪﻝ ﻭﺍﻟﻘﺴﻂ ﺑﻴﻦ ﺍﻟﻌﺒﺎﺩ .
ﻭﺗﻮﺟﻴﻪ ﺍﻟﺨﻄﺎﺏ ﻟﻌﻤﻮﻡ ﺍﻟﻤﺆﻣﻨﻴﻦ , ﻓﻴﻪ
ﺩﻟﻴﻞ ﻋﻠﻰ ﺃﻧﻪ ﻳﺠﺐ ﻋﻠﻴﻬﻢ ﻛﻠﻬﻢ، ﺣﺘﻰ
ﺃﻭﻟﻴﺎﺀ ﺍﻟﻘﺎﺗﻞ ﺣﺘﻰ ﺍﻟﻘﺎﺗﻞ ﺑﻨﻔﺴﻪ ﺇﻋﺎﻧﺔ
ﻭﻟﻲ ﺍﻟﻤﻘﺘﻮﻝ , ﺇﺫﺍ ﻃﻠﺐ ﺍﻟﻘﺼﺎﺹ ﻭﺗﻤﻜﻴﻨﻪ
ﻣﻦ ﺍﻟﻘﺎﺗﻞ , ﻭﺃﻧﻪ ﻻ ﻳﺠﻮﺯ ﻟﻬﻢ ﺃﻥ ﻳﺤﻮﻟﻮﺍ
ﺑﻴﻦ ﻫﺬﺍ ﺍﻟﺤﺪ , ﻭﻳﻤﻨﻌﻮﺍ ﺍﻟﻮﻟﻲ ﻣﻦ
ﺍﻻﻗﺘﺼﺎﺹ , ﻛﻤﺎ ﻋﻠﻴﻪ ﻋﺎﺩﺓ ﺍﻟﺠﺎﻫﻠﻴﺔ , ﻭﻣﻦ
ﺃﺷﺒﻬﻬﻢ ﻣﻦ ﺇﻳﻮﺍﺀ ﺍﻟﻤﺤﺪﺛﻴﻦ .
ﺛﻢ ﺑﻴَّﻦ ﺗﻔﺼﻴﻞ ﺫﻟﻚ ﻓﻘﺎﻝ : } ﺍﻟْﺤُﺮُّ ﺑِﺎﻟْﺤُﺮِّ {
ﻳﺪﺧﻞ ﺑﻤﻨﻄﻘﻮﻗﻬﺎ , ﺍﻟﺬﻛﺮ ﺑﺎﻟﺬﻛﺮ، } ﻭَﺍﻟْﺄُﻧْﺜَﻰ
ﺑِﺎﻟْﺄُﻧْﺜَﻰ { ﻭﺍﻷﻧﺜﻰ ﺑﺎﻟﺬﻛﺮ , ﻭﺍﻟﺬﻛﺮ ﺑﺎﻷﻧﺜﻰ ,
ﻓﻴﻜﻮﻥ ﻣﻨﻄﻮﻗﻬﺎ ﻣﻘﺪﻣﺎ ﻋﻠﻰ ﻣﻔﻬﻮﻡ ﻗﻮﻟﻪ:
" ﺍﻷﻧﺜﻰ ﺑﺎﻷﻧﺜﻰ " ﻣﻊ ﺩﻻﻟﺔ ﺍﻟﺴﻨﺔ , ﻋﻠﻰ
ﺃﻥ ﺍﻟﺬﻛﺮ ﻳﻘﺘﻞ ﺑﺎﻷﻧﺜﻰ، ﻭﺧﺮﺝ ﻣﻦ ﻋﻤﻮﻡ
ﻫﺬﺍ ﺍﻷﺑﻮﺍﻥ ﻭﺇﻥ ﻋﻠﻮﺍ، ﻓﻼ ﻳﻘﺘﻼﻥ ﺑﺎﻟﻮﻟﺪ ,
ﻟﻮﺭﻭﺩ ﺍﻟﺴﻨﺔ ﺑﺬﻟﻚ، ﻣﻊ ﺃﻥ ﻓﻲ ﻗﻮﻟﻪ:
} ﺍﻟْﻘِﺼَﺎﺹُ { ﻣﺎ ﻳﺪﻝ ﻋﻠﻰ ﺃﻧﻪ ﻟﻴﺲ ﻣﻦ
ﺍﻟﻌﺪﻝ , ﺃﻥ ﻳﻘﺘﻞ ﺍﻟﻮﺍﻟﺪ ﺑﻮﻟﺪﻩ، ﻭﻷﻥ ﻓﻲ
ﻗﻠﺐ ﺍﻟﻮﺍﻟﺪ ﻣﻦ ﺍﻟﺸﻔﻘﺔ ﻭﺍﻟﺮﺣﻤﺔ , ﻣﺎ ﻳﻤﻨﻌﻪ
ﻣﻦ ﺍﻟﻘﺘﻞ ﻟﻮﻟﺪﻩ ﺇﻻ ﺑﺴﺒﺐ ﺍﺧﺘﻼﻝ ﻓﻲ
ﻋﻘﻠﻪ , ﺃﻭ ﺃﺫﻳﺔ ﺷﺪﻳﺪﺓ ﺟﺪﺍ ﻣﻦ ﺍﻟﻮﻟﺪ ﻟﻪ.
ﻭﺧﺮﺝ ﻣﻦ ﺍﻟﻌﻤﻮﻡ ﺃﻳﻀﺎ , ﺍﻟﻜﺎﻓﺮ ﺑﺎﻟﺴﻨﺔ , ﻣﻊ
ﺃﻥ ﺍﻵﻳﺔ ﻓﻲ ﺧﻄﺎﺏ ﺍﻟﻤﺆﻣﻨﻴﻦ ﺧﺎﺻﺔ.
ﻭﺃﻳﻀﺎ ﻓﻠﻴﺲ ﻣﻦ ﺍﻟﻌﺪﻝ ﺃﻥ ﻳﻘﺘﻞ ﻭﻟﻲ ﺍﻟﻠﻪ
ﺑﻌﺪﻭﻩ، ﻭﺍﻟﻌﺒﺪ ﺑﺎﻟﻌﺒﺪ , ﺫﻛﺮﺍ ﻛﺎﻥ ﺃﻭ ﺃﻧﺜﻰ ,
ﺗﺴﺎﻭﺕ ﻗﻴﻤﺘﻬﻤﺎ ﺃﻭ ﺍﺧﺘﻠﻔﺖ، ﻭﺩﻝ
ﺑﻤﻔﻬﻮﻣﻬﺎ ﻋﻠﻰ ﺃﻥ ﺍﻟﺤﺮ , ﻻ ﻳﻘﺘﻞ ﺑﺎﻟﻌﺒﺪ ,
ﻟﻜﻮﻧﻪ ﻏﻴﺮ ﻣﺴﺎﻭ ﻟﻪ، ﻭﺍﻷﻧﺜﻰ ﺑﺎﻷﻧﺜﻰ , ﺃﺧﺬ
ﺑﻤﻔﻬﻮﻣﻬﺎ ﺑﻌﺾ ﺃﻫﻞ ﺍﻟﻌﻠﻢ ﻓﻠﻢ ﻳﺠﺰ ﻗﺘﻞ
ﺍﻟﺮﺟﻞ ﺑﺎﻟﻤﺮﺃﺓ , ﻭﺗﻘﺪﻡ ﻭﺟﻪ ﺫﻟﻚ.
ﻭﻓﻲ ﻫﺬﻩ ﺍﻵﻳﺔ ﺩﻟﻴﻞ ﻋﻠﻰ ﺃﻥ ﺍﻷﺻﻞ
ﻭﺟﻮﺏ ﺍﻟﻘﻮﺩ ﻓﻲ ﺍﻟﻘﺘﻞ , ﻭﺃﻥ ﺍﻟﺪﻳﺔ ﺑﺪﻝ
ﻋﻨﻪ، ﻓﻠﻬﺬﺍ ﻗﺎﻝ: } ﻓَﻤَﻦْ ﻋُﻔِﻲَ ﻟَﻪُ ﻣِﻦْ ﺃَﺧِﻴﻪِ
ﺷَﻲْﺀٌ { ﺃﻱ: ﻋﻔﺎ ﻭﻟﻲ ﺍﻟﻤﻘﺘﻮﻝ ﻋﻦ ﺍﻟﻘﺎﺗﻞ
ﺇﻟﻰ ﺍﻟﺪﻳﺔ , ﺃﻭ ﻋﻔﺎ ﺑﻌﺾ ﺍﻷﻭﻟﻴﺎﺀ , ﻓﺈﻧﻪ
ﻳﺴﻘﻂ ﺍﻟﻘﺼﺎﺹ , ﻭﺗﺠﺐ ﺍﻟﺪﻳﺔ , ﻭﺗﻜﻮﻥ
ﺍﻟﺨﻴﺮﺓ ﻓﻲ ﺍﻟﻘﻮﺩ ﻭﺍﺧﺘﻴﺎﺭ ﺍﻟﺪﻳﺔ ﺇﻟﻰ
ﺍﻟﻮﻟﻲ.
ﻓﺈﺫﺍ ﻋﻔﺎ ﻋﻨﻪ ﻭﺟﺐ ﻋﻠﻰ ﺍﻟﻮﻟﻲ , ] ﺃﻱ : ﻭﻟﻲ
ﺍﻟﻤﻘﺘﻮﻝ [ ﺃﻥ ﻳﺘﺒﻊ ﺍﻟﻘﺎﺗﻞ } ﺑِﺎﻟْﻤَﻌْﺮُﻭﻑِ {
ﻣﻦ ﻏﻴﺮ ﺃﻥ ﻳﺸﻖ ﻋﻠﻴﻪ , ﻭﻻ ﻳﺤﻤﻠﻪ ﻣﺎ ﻻ
ﻳﻄﻴﻖ , ﺑﻞ ﻳﺤﺴﻦ ﺍﻻﻗﺘﻀﺎﺀ ﻭﺍﻟﻄﻠﺐ , ﻭﻻ
ﻳﺤﺮﺟﻪ.
ﻭﻋﻠﻰ ﺍﻟﻘﺎﺗﻞ } ﺃَﺩَﺍﺀٌ ﺇِﻟَﻴْﻪِ ﺑِﺈِﺣْﺴَﺎﻥٍ { ﻣﻦ
ﻏﻴﺮ ﻣﻄﻞ ﻭﻻ ﻧﻘﺺ , ﻭﻻ ﺇﺳﺎﺀﺓ ﻓﻌﻠﻴﺔ ﺃﻭ
ﻗﻮﻟﻴﺔ , ﻓﻬﻞ ﺟﺰﺍﺀ ﺍﻹﺣﺴﺎﻥ ﺇﻟﻴﻪ ﺑﺎﻟﻌﻔﻮ , ﺇﻻ
ﺍﻹﺣﺴﺎﻥ ﺑﺤﺴﻦ ﺍﻟﻘﻀﺎﺀ، ﻭﻫﺬﺍ ﻣﺄﻣﻮﺭ ﺑﻪ
ﻓﻲ ﻛﻞ ﻣﺎ ﺛﺒﺖ ﻓﻲ ﺫﻣﻢ ﺍﻟﻨﺎﺱ ﻟﻺﻧﺴﺎﻥ،
ﻣﺄﻣﻮﺭ ﻣﻦ ﻟﻪ ﺍﻟﺤﻖ ﺑﺎﻻﺗﺒﺎﻉ ﺑﺎﻟﻤﻌﺮﻭﻑ،
ﻭﻣﻦ ﻋﻠﻴﻪ ﺍﻟﺤﻖ , ﺑﺎﻷﺩﺍﺀ ﺑﺈﺣﺴﺎﻥ
ﻭﻓﻲ ﻗﻮﻟﻪ : } ﻓَﻤَﻦْ ﻋُﻔِﻲَ ﻟَﻪُ ﻣِﻦْ ﺃَﺧِﻴﻪِ {
ﺗﺮﻗﻴﻖ ﻭﺣﺚ ﻋﻠﻰ ﺍﻟﻌﻔﻮ ﺇﻟﻰ ﺍﻟﺪﻳﺔ،
ﻭﺃﺣﺴﻦ ﻣﻦ ﺫﻟﻚ ﺍﻟﻌﻔﻮ ﻣﺠﺎﻧﺎ.
ﻭﻓﻲ ﻗﻮﻟﻪ : } ﺃَﺧِﻴﻪِ { ﺩﻟﻴﻞ ﻋﻠﻰ ﺃﻥ ﺍﻟﻘﺎﺗﻞ
ﻻ ﻳﻜﻔﺮ , ﻷﻥ ﺍﻟﻤﺮﺍﺩ ﺑﺎﻷﺧﻮﺓ ﻫﻨﺎ ﺃﺧﻮﺓ
ﺍﻹﻳﻤﺎﻥ , ﻓﻠﻢ ﻳﺨﺮﺝ ﺑﺎﻟﻘﺘﻞ ﻣﻨﻬﺎ، ﻭﻣﻦ ﺑﺎﺏ
ﺃﻭﻟﻰ ﺃﻥ ﺳﺎﺋﺮ ﺍﻟﻤﻌﺎﺻﻲ ﺍﻟﺘﻲ ﻫﻲ ﺩﻭﻥ
ﺍﻟﻜﻔﺮ , ﻻ ﻳﻜﻔﺮ ﺑﻬﺎ ﻓﺎﻋﻠﻬﺎ , ﻭﺇﻧﻤﺎ ﻳﻨﻘﺺ
ﺑﺬﻟﻚ ﺇﻳﻤﺎﻧﻪ .
ﻭﺇﺫﺍ ﻋﻔﺎ ﺃﻭﻟﻴﺎﺀ ﺍﻟﻤﻘﺘﻮﻝ , ﺃﻭ ﻋﻔﺎ ﺑﻌﻀﻬﻢ ,
ﺍﺣﺘﻘﻦ ﺩﻡ ﺍﻟﻘﺎﺗﻞ , ﻭﺻﺎﺭ ﻣﻌﺼﻮﻣﺎ ﻣﻨﻬﻢ
ﻭﻣﻦ ﻏﻴﺮﻫﻢ , ﻭﻟﻬﺬﺍ ﻗﺎﻝ: } ﻓَﻤَﻦِ ﺍﻋْﺘَﺪَﻯ ﺑَﻌْﺪَ
ﺫَﻟِﻚَ { ﺃﻱ: ﺑﻌﺪ ﺍﻟﻌﻔﻮ } ﻓَﻠَﻪُ ﻋَﺬَﺍﺏٌ ﺃَﻟِﻴﻢٌ {
ﺃﻱ: ﻓﻲ ﺍﻵﺧﺮﺓ، ﻭﺃﻣﺎ ﻗﺘﻠﻪ ﻭﻋﺪﻣﻪ , ﻓﻴﺆﺧﺬ
ﻣﻤﺎ ﺗﻘﺪﻡ , ﻷﻧﻪ ﻗﺘﻞ ﻣﻜﺎﻓﺌﺎ ﻟﻪ , ﻓﻴﺠﺐ
ﻗﺘﻠﻪ ﺑﺬﻟﻚ .
ﻭﺃﻣﺎ ﻣﻦ ﻓﺴﺮ ﺍﻟﻌﺬﺍﺏ ﺍﻷﻟﻴﻢ ﺑﺎﻟﻘﺘﻞ , ﻓﺈﻥ
ﺍﻵﻳﺔ ﺗﺪﻝ ﻋﻠﻰ ﺃﻧﻪ ﻳﺘﻌﻴﻦ ﻗﺘﻠﻪ , ﻭﻻ ﻳﺠﻮﺯ
ﺍﻟﻌﻔﻮ ﻋﻨﻪ , ﻭﺑﺬﻟﻚ ﻗﺎﻝ ﺑﻌﺾ ﺍﻟﻌﻠﻤﺎﺀ
ﻭﺍﻟﺼﺤﻴﺢ ﺍﻷﻭﻝ , ﻷﻥ ﺟﻨﺎﻳﺘﻪ ﻻ ﺗﺰﻳﺪ ﻋﻠﻰ
ﺟﻨﺎﻳﺔ ﻏﻴﺮﻩ .
ﺛﻢ ﺑﻴﻦ ﺗﻌﺎﻟﻰ ﺣﻜﻤﺘﻪ ﺍﻟﻌﻈﻴﻤﺔ ﻓﻲ
ﻣﺸﺮﻭﻋﻴﺔ ﺍﻟﻘﺼﺎﺹ ﻓﻘﺎﻝ: } ﻭَﻟَﻜُﻢْ ﻓِﻲ
ﺍﻟْﻘِﺼَﺎﺹِ ﺣَﻴَﺎﺓٌ { ﺃﻱ : ﺗﻨﺤﻘﻦ ﺑﺬﻟﻚ ﺍﻟﺪﻣﺎﺀ ,
ﻭﺗﻨﻘﻤﻊ ﺑﻪ ﺍﻷﺷﻘﻴﺎﺀ , ﻷﻥ ﻣﻦ ﻋﺮﻑ ﺃﻧﻪ
ﻣﻘﺘﻮﻝ ﺇﺫﺍ ﻗﺘﻞ , ﻻ ﻳﻜﺎﺩ ﻳﺼﺪﺭ ﻣﻨﻪ ﺍﻟﻘﺘﻞ ,
ﻭﺇﺫﺍ ﺭﺋﻲ ﺍﻟﻘﺎﺗﻞ ﻣﻘﺘﻮﻻ ﺍﻧﺬﻋﺮ ﺑﺬﻟﻚ ﻏﻴﺮﻩ
ﻭﺍﻧﺰﺟﺮ , ﻓﻠﻮ ﻛﺎﻧﺖ ﻋﻘﻮﺑﺔ ﺍﻟﻘﺎﺗﻞ ﻏﻴﺮ
ﺍﻟﻘﺘﻞ , ﻟﻢ ﻳﺤﺼﻞ ﺍﻧﻜﻔﺎﻑ ﺍﻟﺸﺮ , ﺍﻟﺬﻱ
ﻳﺤﺼﻞ ﺑﺎﻟﻘﺘﻞ، ﻭﻫﻜﺬﺍ ﺳﺎﺋﺮ ﺍﻟﺤﺪﻭﺩ
ﺍﻟﺸﺮﻋﻴﺔ , ﻓﻴﻬﺎ ﻣﻦ ﺍﻟﻨﻜﺎﻳﺔ ﻭﺍﻻﻧﺰﺟﺎﺭ , ﻣﺎ
ﻳﺪﻝ ﻋﻠﻰ ﺣﻜﻤﺔ ﺍﻟﺤﻜﻴﻢ ﺍﻟﻐﻔﺎﺭ، ﻭﻧﻜَّﺮ "
ﺍﻟﺤﻴﺎﺓ " ﻹﻓﺎﺩﺓ ﺍﻟﺘﻌﻈﻴﻢ ﻭﺍﻟﺘﻜﺜﻴﺮ.
ﻭﻟﻤﺎ ﻛﺎﻥ ﻫﺬﺍ ﺍﻟﺤﻜﻢ , ﻻ ﻳﻌﺮﻑ ﺣﻘﻴﻘﺘﻪ , ﺇﻻ
ﺃﻫﻞ ﺍﻟﻌﻘﻮﻝ ﺍﻟﻜﺎﻣﻠﺔ ﻭﺍﻷﻟﺒﺎﺏ ﺍﻟﺜﻘﻴﻠﺔ ,
ﺧﺼﻬﻢ ﺑﺎﻟﺨﻄﺎﺏ ﺩﻭﻥ ﻏﻴﺮﻫﻢ، ﻭﻫﺬﺍ ﻳﺪﻝ
ﻋﻠﻰ ﺃﻥ ﺍﻟﻠﻪ ﺗﻌﺎﻟﻰ , ﻳﺤﺐ ﻣﻦ ﻋﺒﺎﺩﻩ , ﺃﻥ
ﻳﻌﻤﻠﻮﺍ ﺃﻓﻜﺎﺭﻫﻢ ﻭﻋﻘﻮﻟﻬﻢ , ﻓﻲ ﺗﺪﺑﺮ ﻣﺎ ﻓﻲ
ﺃﺣﻜﺎﻣﻪ ﻣﻦ ﺍﻟﺤﻜﻢ , ﻭﺍﻟﻤﺼﺎﻟﺢ ﺍﻟﺪﺍﻟﺔ ﻋﻠﻰ
ﻛﻤﺎﻟﻪ , ﻭﻛﻤﺎﻝ ﺣﻜﻤﺘﻪ ﻭﺣﻤﺪﻩ , ﻭﻋﺪﻟﻪ
ﻭﺭﺣﻤﺘﻪ ﺍﻟﻮﺍﺳﻌﺔ، ﻭﺃﻥ ﻣﻦ ﻛﺎﻥ ﺑﻬﺬﻩ
ﺍﻟﻤﺜﺎﺑﺔ , ﻓﻘﺪ ﺍﺳﺘﺤﻖ ﺍﻟﻤﺪﺡ ﺑﺄﻧﻪ ﻣﻦ ﺫﻭﻱ
ﺍﻷﻟﺒﺎﺏ ﺍﻟﺬﻳﻦ ﻭﺟﻪ ﺇﻟﻴﻬﻢ ﺍﻟﺨﻄﺎﺏ ,
ﻭﻧﺎﺩﺍﻫﻢ ﺭﺏ ﺍﻷﺭﺑﺎﺏ , ﻭﻛﻔﻰ ﺑﺬﻟﻚ ﻓﻀﻼ
ﻭﺷﺮﻓﺎ ﻟﻘﻮﻡ ﻳﻌﻘﻠﻮﻥ .
ﻭﻗﻮﻟﻪ : } ﻟَﻌَﻠَّﻜُﻢْ ﺗَﺘَّﻘُﻮﻥَ { ﻭﺫﻟﻚ ﺃﻥ ﻣﻦ
ﻋﺮﻑ ﺭﺑﻪ ﻭﻋﺮﻑ ﻣﺎ ﻓﻲ ﺩﻳﻨﻪ ﻭﺷﺮﻋﻪ ﻣﻦ
ﺍﻷﺳﺮﺍﺭ ﺍﻟﻌﻈﻴﻤﺔ ﻭﺍﻟﺤﻜﻢ ﺍﻟﺒﺪﻳﻌﺔ ﻭﺍﻵﻳﺎﺕ
ﺍﻟﺮﻓﻴﻌﺔ , ﺃﻭﺟﺐ ﻟﻪ ﺫﻟﻚ ﺃﻥ ﻳﻨﻘﺎﺩ ﻷﻣﺮ ﺍﻟﻠﻪ ,
ﻭﻳﻌﻈﻢ ﻣﻌﺎﺻﻴﻪ ﻓﻴﺘﺮﻛﻬﺎ , ﻓﻴﺴﺘﺤﻖ ﺑﺬﻟﻚ
ﺃﻥ ﻳﻜﻮﻥ ﻣﻦ ﺍﻟﻤﺘﻘﻴﻦ.
} 180 - 182 { } ﻛُﺘِﺐَ ﻋَﻠَﻴْﻜُﻢْ ﺇِﺫَﺍ ﺣَﻀَﺮَ
ﺃَﺣَﺪَﻛُﻢُ ﺍﻟْﻤَﻮْﺕُ ﺇِﻥْ ﺗَﺮَﻙَ ﺧَﻴْﺮًﺍ ﺍﻟْﻮَﺻِﻴَّﺔُ
ﻟِﻠْﻮَﺍﻟِﺪَﻳْﻦِ ﻭَﺍﻟْﺄَﻗْﺮَﺑِﻴﻦَ ﺑِﺎﻟْﻤَﻌْﺮُﻭﻑِ ﺣَﻘًّﺎ ﻋَﻠَﻰ
ﺍﻟْﻤُﺘَّﻘِﻴﻦَ * ﻓَﻤَﻦْ ﺑَﺪَّﻟَﻪُ ﺑَﻌْﺪَﻣَﺎ ﺳَﻤِﻌَﻪُ ﻓَﺈِﻧَّﻤَﺎ
ﺇِﺛْﻤُﻪُ ﻋَﻠَﻰ ﺍﻟَّﺬِﻳﻦَ ﻳُﺒَﺪِّﻟُﻮﻧَﻪُ ﺇِﻥَّ ﺍﻟﻠَّﻪَ ﺳَﻤِﻴﻊٌ
ﻋَﻠِﻴﻢٌ * ﻓَﻤَﻦْ ﺧَﺎﻑَ ﻣِﻦْ ﻣُﻮﺹٍ ﺟَﻨَﻔًﺎ ﺃَﻭْ ﺇِﺛْﻤًﺎ
ﻓَﺄَﺻْﻠَﺢَ ﺑَﻴْﻨَﻬُﻢْ ﻓَﻠَﺎ ﺇِﺛْﻢَ ﻋَﻠَﻴْﻪِ ﺇِﻥَّ ﺍﻟﻠَّﻪَ ﻏَﻔُﻮﺭٌ
ﺭَﺣِﻴﻢٌ {
ﺃﻱ: ﻓﺮﺽ ﺍﻟﻠﻪ ﻋﻠﻴﻜﻢ , ﻳﺎ ﻣﻌﺸﺮ ﺍﻟﻤﺆﻣﻨﻴﻦ
} ﺇِﺫَﺍ ﺣَﻀَﺮَ ﺃَﺣَﺪَﻛُﻢُ ﺍﻟْﻤَﻮْﺕُ { ﺃﻱ: ﺃﺳﺒﺎﺑﻪ ,
ﻛﺎﻟﻤﺮﺽ ﺍﻟﻤﺸﺮﻑ ﻋﻠﻰ ﺍﻟﻬﻼﻙ , ﻭﺣﻀﻮﺭ
ﺃﺳﺒﺎﺏ ﺍﻟﻤﻬﺎﻟﻚ، ﻭﻛﺎﻥ ﻗﺪ } ﺗَﺮَﻙَ ﺧَﻴْﺮًﺍ {
] ﺃﻱ : ﻣﺎﻻ [ ﻭﻫﻮ ﺍﻟﻤﺎﻝ ﺍﻟﻜﺜﻴﺮ ﻋﺮﻓﺎ , ﻓﻌﻠﻴﻪ
ﺃﻥ ﻳﻮﺻﻲ ﻟﻮﺍﻟﺪﻳﻪ ﻭﺃﻗﺮﺏ ﺍﻟﻨﺎﺱ ﺇﻟﻴﻪ
ﺑﺎﻟﻤﻌﺮﻭﻑ , ﻋﻠﻰ ﻗﺪﺭ ﺣﺎﻟﻪ ﻣﻦ ﻏﻴﺮ ﺳﺮﻑ ,
ﻭﻻ ﺍﻗﺘﺼﺎﺭ ﻋﻠﻰ ﺍﻷﺑﻌﺪ , ﺩﻭﻥ ﺍﻷﻗﺮﺏ، ﺑﻞ
ﻳﺮﺗﺒﻬﻢ ﻋﻠﻰ ﺍﻟﻘﺮﺏ ﻭﺍﻟﺤﺎﺟﺔ , ﻭﻟﻬﺬﺍ ﺃﺗﻰ
ﻓﻴﻪ ﺑﺄﻓﻌﻞ ﺍﻟﺘﻔﻀﻴﻞ .
ﻭﻗﻮﻟﻪ : } ﺣَﻘًّﺎ ﻋَﻠَﻰ ﺍﻟْﻤُﺘَّﻘِﻴﻦَ { ﺩﻝ ﻋﻠﻰ
ﻭﺟﻮﺏ ﺫﻟﻚ , ﻷﻥ ﺍﻟﺤﻖ ﻫﻮ : ﺍﻟﺜﺎﺑﺖ، ﻭﻗﺪ
ﺟﻌﻠﻪ ﺍﻟﻠﻪ ﻣﻦ ﻣﻮﺟﺒﺎﺕ ﺍﻟﺘﻘﻮﻯ.
ﻭﺍﻋﻠﻢ ﺃﻥ ﺟﻤﻬﻮﺭ ﺍﻟﻤﻔﺴﺮﻳﻦ ﻳﺮﻭﻥ ﺃﻥ ﻫﺬﻩ
ﺍﻵﻳﺔ ﻣﻨﺴﻮﺧﺔ ﺑﺂﻳﺔ ﺍﻟﻤﻮﺍﺭﻳﺚ، ﻭﺑﻌﻀﻬﻢ
ﻳﺮﻯ ﺃﻧﻬﺎ ﻓﻲ ﺍﻟﻮﺍﻟﺪﻳﻦ ﻭﺍﻷﻗﺮﺑﻴﻦ ﻏﻴﺮ
ﺍﻟﻮﺍﺭﺛﻴﻦ , ﻣﻊ ﺃﻧﻪ ﻟﻢ ﻳﺪﻝ ﻋﻠﻰ ﺍﻟﺘﺨﺼﻴﺺ
ﺑﺬﻟﻚ ﺩﻟﻴﻞ، ﻭﺍﻷﺣﺴﻦ ﻓﻲ ﻫﺬﺍ ﺃﻥ ﻳﻘﺎﻝ:
ﺇﻥ ﻫﺬﻩ ﺍﻟﻮﺻﻴﺔ ﻟﻠﻮﺍﻟﺪﻳﻦ ﻭﺍﻷﻗﺮﺑﻴﻦ
ﻣﺠﻤﻠﺔ , ﺭﺩﻫﺎ ﺍﻟﻠﻪ ﺗﻌﺎﻟﻰ ﺇﻟﻰ ﺍﻟﻌﺮﻑ
ﺍﻟﺠﺎﺭﻱ.
ﺛﻢ ﺇﻥ ﺍﻟﻠﻪ ﺗﻌﺎﻟﻰ ﻗﺪﺭ ﻟﻠﻮﺍﻟﺪﻳﻦ ﺍﻟﻮﺍﺭﺛﻴﻦ
ﻭﻏﻴﺮﻫﻤﺎ ﻣﻦ ﺍﻷﻗﺎﺭﺏ ﺍﻟﻮﺍﺭﺛﻴﻦ ﻫﺬﺍ
ﺍﻟﻤﻌﺮﻭﻑ ﻓﻲ ﺁﻳﺎﺕ ﺍﻟﻤﻮﺍﺭﻳﺚ , ﺑﻌﺪ ﺃﻥ ﻛﺎﻥ
ﻣﺠﻤﻼ، ﻭﺑﻘﻲ ﺍﻟﺤﻜﻢ ﻓﻴﻤﻦ ﻟﻢ ﻳﺮﺛﻮﺍ ﻣﻦ
ﺍﻟﻮﺍﻟﺪﻳﻦ ﺍﻟﻤﻤﻨﻮﻋﻴﻦ ﻣﻦ ﺍﻹﺭﺙ ﻭﻏﻴﺮﻫﻤﺎ
ﻣﻤﻦ ﺣﺠﺐ ﺑﺸﺨﺺ ﺃﻭ ﻭﺻﻒ , ﻓﺈﻥ
ﺍﻹﻧﺴﺎﻥ ﻣﺄﻣﻮﺭ ﺑﺎﻟﻮﺻﻴﺔ ﻟﻬﺆﻻﺀ ﻭﻫﻢ ﺃﺣﻖ
ﺍﻟﻨﺎﺱ ﺑﺒﺮﻩ، ﻭﻫﺬﺍ ﺍﻟﻘﻮﻝ ﺗﺘﻔﻖ ﻋﻠﻴﻪ ﺍﻷﻣﺔ ,
ﻭﻳﺤﺼﻞ ﺑﻪ ﺍﻟﺠﻤﻊ ﺑﻴﻦ ﺍﻟﻘﻮﻟﻴﻦ ﺍﻟﻤﺘﻘﺪﻣﻴﻦ ,
ﻷﻥ ﻛﻼ ﻣﻦ ﺍﻟﻘﺎﺋﻠﻴﻦ ﺑﻬﻤﺎ ﻛﻞ ﻣﻨﻬﻢ ﻟﺤﻆ
ﻣﻠﺤﻈﺎ , ﻭﺍﺧﺘﻠﻒ ﺍﻟﻤﻮﺭﺩ.
ﻓﺒﻬﺬﺍ ﺍﻟﺠﻤﻊ , ﻳﺤﺼﻞ ﺍﻻﺗﻔﺎﻕ , ﻭﺍﻟﺠﻤﻊ ﺑﻴﻦ
ﺍﻵﻳﺎﺕ , ﻷﻧﻪ ﻣﻬﻤﺎ ﺃﻣﻜﻦ ﺍﻟﺠﻤﻊ ﻛﺎﻥ ﺃﺣﺴﻦ
ﻣﻦ ﺍﺩﻋﺎﺀ ﺍﻟﻨﺴﺦ , ﺍﻟﺬﻱ ﻟﻢ ﻳﺪﻝ ﻋﻠﻴﻪ ﺩﻟﻴﻞ
ﺻﺤﻴﺢ.
ﻭﻟﻤﺎ ﻛﺎﻥ ﺍﻟﻤﻮﺻﻲ ﻗﺪ ﻳﻤﺘﻨﻊ ﻣﻦ ﺍﻟﻮﺻﻴﺔ ,
ﻟﻤﺎ ﻳﺘﻮﻫﻤﻪ ﺃﻥ ﻣﻦ ﺑﻌﺪﻩ , ﻗﺪ ﻳﺒﺪﻝ ﻣﺎ
ﻭﺻﻰ ﺑﻪ ﻗﺎﻝ ﺗﻌﺎﻟﻰ : } ﻓَﻤَﻦْ ﺑَﺪَّﻟَﻪُ { ﺃﻱ :
ﺍﻹﻳﺼﺎﺀ ﻟﻠﻤﺬﻛﻮﺭﻳﻦ ﺃﻭ ﻏﻴﺮﻫﻢ } ﺑَﻌْﺪَﻣَﺎ
ﺳَﻤِﻌَﻪُ { ] ﺃﻱ : [ ﺑﻌﺪﻣﺎ ﻋﻘﻠﻪ , ﻭﻋﺮﻑ ﻃﺮﻗﻪ
ﻭﺗﻨﻔﻴﺬﻩ، } ﻓَﺈِﻧَّﻤَﺎ ﺇِﺛْﻤُﻪُ ﻋَﻠَﻰ ﺍﻟَّﺬِﻳﻦَ
ﻳُﺒَﺪِّﻟُﻮﻧَﻪُ { ﻭﺇﻻ ﻓﺎﻟﻤﻮﺻﻲ ﻭﻗﻊ ﺃﺟﺮﻩ ﻋﻠﻰ
ﺍﻟﻠﻪ , ﻭﺇﻧﻤﺎ ﺍﻹﺛﻢ ﻋﻠﻰ ﺍﻟﻤﺒﺪﻝ ﺍﻟﻤﻐﻴﺮ.
} ﺇِﻥَّ ﺍﻟﻠَّﻪَ ﺳَﻤِﻴﻊٌ { ﻳﺴﻤﻊ ﺳﺎﺋﺮ ﺍﻷﺻﻮﺍﺕ ,
ﻭﻣﻨﻪ ﺳﻤﺎﻋﻪ ﻟﻤﻘﺎﻟﺔ ﺍﻟﻤﻮﺻﻲ ﻭﻭﺻﻴﺘﻪ،
ﻓﻴﻨﺒﻐﻲ ﻟﻪ ﺃﻥ ﻳﺮﺍﻗﺐ ﻣﻦ ﻳﺴﻤﻌﻪ ﻭﻳﺮﺍﻩ ,
ﻭﺃﻥ ﻻ ﻳﺠﻮﺭ ﻓﻲ ﻭﺻﻴﺘﻪ، } ﻋَﻠِﻴﻢٌ { ﺑﻨﻴﺘﻪ ,
ﻭﻋﻠﻴﻢ ﺑﻌﻤﻞ ﺍﻟﻤﻮﺻﻰ ﺇﻟﻴﻪ، ﻓﺈﺫﺍ ﺍﺟﺘﻬﺪ
ﺍﻟﻤﻮﺻﻲ , ﻭﻋﻠﻢ ﺍﻟﻠﻪ ﻣﻦ ﻧﻴﺘﻪ ﺫﻟﻚ , ﺃﺛﺎﺑﻪ
ﻭﻟﻮ ﺃﺧﻄﺄ، ﻭﻓﻴﻪ ﺍﻟﺘﺤﺬﻳﺮ ﻟﻠﻤﻮﺻﻰ ﺇﻟﻴﻪ
ﻣﻦ ﺍﻟﺘﺒﺪﻳﻞ، ﻓﺈﻥ ﺍﻟﻠﻪ ﻋﻠﻴﻢ ﺑﻪ , ﻣﻄﻠﻊ ﻋﻠﻰ
ﻣﺎ ﻓﻌﻠﻪ , ﻓﻠﻴﺤﺬﺭ ﻣﻦ ﺍﻟﻠﻪ، ﻫﺬﺍ ﺣﻜﻢ
ﺍﻟﻮﺻﻴﺔ ﺍﻟﻌﺎﺩﻟﺔ.
ﻭﺃﻣﺎ ﺍﻟﻮﺻﻴﺔ ﺍﻟﺘﻲ ﻓﻴﻬﺎ ﺣﻴﻒ ﻭﺟﻨﻒ ,
ﻭﺇﺛﻢ، ﻓﻴﻨﺒﻐﻲ ﻟﻤﻦ ﺣﻀﺮ ﺍﻟﻤﻮﺻﻲ ﻭﻗﺖ
ﺍﻟﻮﺻﻴﺔ ﺑﻬﺎ , ﺃﻥ ﻳﻨﺼﺤﻪ ﺑﻤﺎ ﻫﻮ ﺍﻷﺣﺴﻦ
ﻭﺍﻷﻋﺪﻝ , ﻭﺃﻥ ﻳﻨﻬﺎﻩ ﻋﻦ ﺍﻟﺠﻮﺭ ﻭﺍﻟﺠﻨﻒ ,
ﻭﻫﻮ : ﺍﻟﻤﻴﻞ ﺑﻬﺎ ﻋﻦ ﺧﻄﺄ , ﻣﻦ ﻏﻴﺮ ﺗﻌﻤﺪ ,
ﻭﺍﻹﺛﻢ : ﻭﻫﻮ ﺍﻟﺘﻌﻤﺪ ﻟﺬﻟﻚ.
ﻓﺈﻥ ﻟﻢ ﻳﻔﻌﻞ ﺫﻟﻚ , ﻓﻴﻨﺒﻐﻲ ﻟﻪ ﺃﻥ ﻳﺼﻠﺢ
ﺑﻴﻦ ﺍﻟﻤﻮﺻﻰ ﺇﻟﻴﻬﻢ , ﻭﻳﺘﻮﺻﻞ ﺇﻟﻰ ﺍﻟﻌﺪﻝ
ﺑﻴﻨﻬﻢ ﻋﻠﻰ ﻭﺟﻪ ﺍﻟﺘﺮﺍﺿﻲ ﻭﺍﻟﻤﺼﺎﻟﺤﺔ ,
ﻭﻭﻋﻈﻬﻢ ﺑﺘﺒﺮﺋﺔ ﺫﻣﺔ ﻣﻴﺘﻬﻢ ﻓﻬﺬﺍ ﻗﺪ ﻓﻌﻞ
ﻣﻌﺮﻭﻓﺎ ﻋﻈﻴﻤﺎ , ﻭﻟﻴﺲ ﻋﻠﻴﻬﻢ ﺇﺛﻢ , ﻛﻤﺎ
ﻋﻠﻰ ﻣﺒﺪﻝ ﺍﻟﻮﺻﻴﺔ ﺍﻟﺠﺎﺋﺰﺓ، ﻭﻟﻬﺬﺍ ﻗﺎﻝ :
} ﺇِﻥَّ ﺍﻟﻠَّﻪَ ﻏَﻔُﻮﺭٌ { ﺃﻱ : ﻳﻐﻔﺮ ﺟﻤﻴﻊ ﺍﻟﺰﻻﺕ ,
ﻭﻳﺼﻔﺢ ﻋﻦ ﺍﻟﺘﺒﻌﺎﺕ ﻟﻤﻦ ﺗﺎﺏ ﺇﻟﻴﻪ , ﻭﻣﻨﻪ
ﻣﻐﻔﺮﺗﻪ ﻟﻤﻦ ﻏﺾ ﻣﻦ ﻧﻔﺴﻪ , ﻭﺗﺮﻙ ﺑﻌﺾ
ﺣﻘﻪ ﻷﺧﻴﻪ , ﻷﻥ ﻣﻦ ﺳﺎﻣﺢ , ﺳﺎﻣﺤﻪ ﺍﻟﻠﻪ،
ﻏﻔﻮﺭ ﻟﻤﻴﺘﻬﻢ ﺍﻟﺠﺎﺋﺮ ﻓﻲ ﻭﺻﻴﺘﻪ , ﺇﺫﺍ
ﺍﺣﺘﺴﺒﻮﺍ ﺑﻤﺴﺎﻣﺤﺔ ﺑﻌﻀﻬﻢ ﺑﻌﻀﺎ ﻷﺟﻞ
ﺑﺮﺍﺀﺓ ﺫﻣﺘﻪ، ﺭﺣﻴﻢ ﺑﻌﺒﺎﺩﻩ , ﺣﻴﺚ ﺷﺮﻉ ﻟﻬﻢ
ﻛﻞ ﺃﻣﺮ ﺑﻪ ﻳﺘﺮﺍﺣﻤﻮﻥ ﻭﻳﺘﻌﺎﻃﻔﻮﻥ، ﻓﺪﻟﺖ
ﻫﺬﻩ ﺍﻵﻳﺎﺕ ﻋﻠﻰ ﺍﻟﺤﺚ ﻋﻠﻰ ﺍﻟﻮﺻﻴﺔ ,
ﻭﻋﻠﻰ ﺑﻴﺎﻥ ﻣﻦ ﻫﻲ ﻟﻪ , ﻭﻋﻠﻰ ﻭﻋﻴﺪ ﺍﻟﻤﺒﺪﻝ
ﻟﻠﻮﺻﻴﺔ ﺍﻟﻌﺎﺩﻟﺔ , ﻭﺍﻟﺘﺮﻏﻴﺐ ﻓﻲ ﺍﻹﺻﻼﺡ
ﻓﻲ ﺍﻟﻮﺻﻴﺔ ﺍﻟﺠﺎﺋﺮﺓ .
} 183 - 185 { } ﻳَﺎ ﺃَﻳُّﻬَﺎ ﺍﻟَّﺬِﻳﻦَ ﺁﻣَﻨُﻮﺍ ﻛُﺘِﺐَ
ﻋَﻠَﻴْﻜُﻢُ ﺍﻟﺼِّﻴَﺎﻡُ ﻛَﻤَﺎ ﻛُﺘِﺐَ ﻋَﻠَﻰ ﺍﻟَّﺬِﻳﻦَ ﻣِﻦْ
ﻗَﺒْﻠِﻜُﻢْ ﻟَﻌَﻠَّﻜُﻢْ ﺗَﺘَّﻘُﻮﻥَ * ﺃَﻳَّﺎﻣًﺎ ﻣَﻌْﺪُﻭﺩَﺍﺕٍ ﻓَﻤَﻦْ
ﻛَﺎﻥَ ﻣِﻨْﻜُﻢْ ﻣَﺮِﻳﻀًﺎ ﺃَﻭْ ﻋَﻠَﻰ ﺳَﻔَﺮٍ ﻓَﻌِﺪَّﺓٌ ﻣِﻦْ
ﺃَﻳَّﺎﻡٍ ﺃُﺧَﺮَ ﻭَﻋَﻠَﻰ ﺍﻟَّﺬِﻳﻦَ ﻳُﻄِﻴﻘُﻮﻧَﻪُ ﻓِﺪْﻳَﺔٌ
ﻃَﻌَﺎﻡُ ﻣِﺴْﻜِﻴﻦٍ ﻓَﻤَﻦْ ﺗَﻄَﻮَّﻉَ ﺧَﻴْﺮًﺍ ﻓَﻬُﻮَ ﺧَﻴْﺮٌ
ﻟَﻪُ ﻭَﺃَﻥْ ﺗَﺼُﻮﻣُﻮﺍ ﺧَﻴْﺮٌ ﻟَﻜُﻢْ ﺇِﻥْ ﻛُﻨْﺘُﻢْ ﺗَﻌْﻠَﻤُﻮﻥَ
* ﺷَﻬْﺮُ ﺭَﻣَﻀَﺎﻥَ ﺍﻟَّﺬِﻱ ﺃُﻧْﺰِﻝَ ﻓِﻴﻪِ ﺍﻟْﻘُﺮْﺁﻥُ ﻫُﺪًﻯ
ﻟِﻠﻨَّﺎﺱِ ﻭَﺑَﻴِّﻨَﺎﺕٍ ﻣِﻦَ ﺍﻟْﻬُﺪَﻯ ﻭَﺍﻟْﻔُﺮْﻗَﺎﻥِ ﻓَﻤَﻦْ
ﺷَﻬِﺪَ ﻣِﻨْﻜُﻢُ ﺍﻟﺸَّﻬْﺮَ ﻓَﻠْﻴَﺼُﻤْﻪُ ﻭَﻣَﻦْ ﻛَﺎﻥَ
ﻣَﺮِﻳﻀًﺎ ﺃَﻭْ ﻋَﻠَﻰ ﺳَﻔَﺮٍ ﻓَﻌِﺪَّﺓٌ ﻣِﻦْ ﺃَﻳَّﺎﻡٍ ﺃُﺧَﺮَ
ﻳُﺮِﻳﺪُ ﺍﻟﻠَّﻪُ ﺑِﻜُﻢُ ﺍﻟْﻴُﺴْﺮَ ﻭَﻟَﺎ ﻳُﺮِﻳﺪُ ﺑِﻜُﻢُ ﺍﻟْﻌُﺴْﺮَ
ﻭَﻟِﺘُﻜْﻤِﻠُﻮﺍ ﺍﻟْﻌِﺪَّﺓَ ﻭَﻟِﺘُﻜَﺒِّﺮُﻭﺍ ﺍﻟﻠَّﻪَ ﻋَﻠَﻰ ﻣَﺎ
ﻫَﺪَﺍﻛُﻢْ ﻭَﻟَﻌَﻠَّﻜُﻢْ ﺗَﺸْﻜُﺮُﻭﻥَ {
ﻳﺨﺒﺮ ﺗﻌﺎﻟﻰ ﺑﻤﺎ ﻣﻦَّ ﺑﻪ ﻋﻠﻰ ﻋﺒﺎﺩﻩ , ﺑﺄﻧﻪ
ﻓﺮﺽ ﻋﻠﻴﻬﻢ ﺍﻟﺼﻴﺎﻡ , ﻛﻤﺎ ﻓﺮﺿﻪ ﻋﻠﻰ
ﺍﻷﻣﻢ ﺍﻟﺴﺎﺑﻘﺔ , ﻷﻧﻪ ﻣﻦ ﺍﻟﺸﺮﺍﺋﻊ ﻭﺍﻷﻭﺍﻣﺮ
ﺍﻟﺘﻲ ﻫﻲ ﻣﺼﻠﺤﺔ ﻟﻠﺨﻠﻖ ﻓﻲ ﻛﻞ ﺯﻣﺎﻥ .
ﻭﻓﻴﻪ ﺗﻨﺸﻴﻂ ﻟﻬﺬﻩ ﺍﻷﻣﺔ , ﺑﺄﻧﻪ ﻳﻨﺒﻐﻲ ﻟﻜﻢ
ﺃﻥ ﺗﻨﺎﻓﺴﻮﺍ ﻏﻴﺮﻛﻢ ﻓﻲ ﺗﻜﻤﻴﻞ ﺍﻷﻋﻤﺎﻝ ,
ﻭﺍﻟﻤﺴﺎﺭﻋﺔ ﺇﻟﻰ ﺻﺎﻟﺢ ﺍﻟﺨﺼﺎﻝ , ﻭﺃﻧﻪ ﻟﻴﺲ
ﻣﻦ ﺍﻷﻣﻮﺭ ﺍﻟﺜﻘﻴﻠﺔ , ﺍﻟﺘﻲ ﺍﺧﺘﺼﻴﺘﻢ ﺑﻬﺎ.
ﺛﻢ ﺫﻛﺮ ﺗﻌﺎﻟﻰ ﺣﻜﻤﺘﻪ ﻓﻲ ﻣﺸﺮﻭﻋﻴﺔ
ﺍﻟﺼﻴﺎﻡ ﻓﻘﺎﻝ: } ﻟَﻌَﻠَّﻜُﻢْ ﺗَﺘَّﻘُﻮﻥَ { ﻓﺈﻥ
ﺍﻟﺼﻴﺎﻡ ﻣﻦ ﺃﻛﺒﺮ ﺃﺳﺒﺎﺏ ﺍﻟﺘﻘﻮﻯ , ﻷﻥ ﻓﻴﻪ
ﺍﻣﺘﺜﺎﻝ ﺃﻣﺮ ﺍﻟﻠﻪ ﻭﺍﺟﺘﻨﺎﺏ ﻧﻬﻴﻪ .
ﻓﻤﻤﺎ ﺍﺷﺘﻤﻞ ﻋﻠﻴﻪ ﻣﻦ ﺍﻟﺘﻘﻮﻯ: ﺃﻥ ﺍﻟﺼﺎﺋﻢ
ﻳﺘﺮﻙ ﻣﺎ ﺣﺮﻡ ﺍﻟﻠﻪ ﻋﻠﻴﻪ ﻣﻦ ﺍﻷﻛﻞ ﻭﺍﻟﺸﺮﺏ
ﻭﺍﻟﺠﻤﺎﻉ ﻭﻧﺤﻮﻫﺎ , ﺍﻟﺘﻲ ﺗﻤﻴﻞ ﺇﻟﻴﻬﺎ ﻧﻔﺴﻪ ,
ﻣﺘﻘﺮﺑﺎ ﺑﺬﻟﻚ ﺇﻟﻰ ﺍﻟﻠﻪ , ﺭﺍﺟﻴﺎ ﺑﺘﺮﻛﻬﺎ , ﺛﻮﺍﺑﻪ،
ﻓﻬﺬﺍ ﻣﻦ ﺍﻟﺘﻘﻮﻯ .
ﻭﻣﻨﻬﺎ : ﺃﻥ ﺍﻟﺼﺎﺋﻢ ﻳﺪﺭﺏ ﻧﻔﺴﻪ ﻋﻠﻰ ﻣﺮﺍﻗﺒﺔ
ﺍﻟﻠﻪ ﺗﻌﺎﻟﻰ , ﻓﻴﺘﺮﻙ ﻣﺎ ﺗﻬﻮﻯ ﻧﻔﺴﻪ , ﻣﻊ
ﻗﺪﺭﺗﻪ ﻋﻠﻴﻪ , ﻟﻌﻠﻤﻪ ﺑﺎﻃﻼﻉ ﺍﻟﻠﻪ ﻋﻠﻴﻪ،
ﻭﻣﻨﻬﺎ : ﺃﻥ ﺍﻟﺼﻴﺎﻡ ﻳﻀﻴﻖ ﻣﺠﺎﺭﻱ ﺍﻟﺸﻴﻄﺎﻥ ,
ﻓﺈﻧﻪ ﻳﺠﺮﻱ ﻣﻦ ﺍﺑﻦ ﺁﺩﻡ ﻣﺠﺮﻯ ﺍﻟﺪﻡ ,
ﻓﺒﺎﻟﺼﻴﺎﻡ , ﻳﻀﻌﻒ ﻧﻔﻮﺫﻩ , ﻭﺗﻘﻞ ﻣﻨﻪ
ﺍﻟﻤﻌﺎﺻﻲ، ﻭﻣﻨﻬﺎ : ﺃﻥ ﺍﻟﺼﺎﺋﻢ ﻓﻲ ﺍﻟﻐﺎﻟﺐ ,
ﺗﻜﺜﺮ ﻃﺎﻋﺘﻪ , ﻭﺍﻟﻄﺎﻋﺎﺕ ﻣﻦ ﺧﺼﺎﻝ
ﺍﻟﺘﻘﻮﻯ، ﻭﻣﻨﻬﺎ : ﺃﻥ ﺍﻟﻐﻨﻲ ﺇﺫﺍ ﺫﺍﻕ ﺃﻟﻢ
ﺍﻟﺠﻮﻉ , ﺃﻭﺟﺐ ﻟﻪ ﺫﻟﻚ , ﻣﻮﺍﺳﺎﺓ ﺍﻟﻔﻘﺮﺍﺀ
ﺍﻟﻤﻌﺪﻣﻴﻦ , ﻭﻫﺬﺍ ﻣﻦ ﺧﺼﺎﻝ ﺍﻟﺘﻘﻮﻯ.
ﻭﻟﻤﺎ ﺫﻛﺮ ﺃﻧﻪ ﻓﺮﺽ ﻋﻠﻴﻬﻢ ﺍﻟﺼﻴﺎﻡ , ﺃﺧﺒﺮ
ﺃﻧﻪ ﺃﻳﺎﻡ ﻣﻌﺪﻭﺩﺍﺕ , ﺃﻱ : ﻗﻠﻴﻠﺔ ﻓﻲ ﻏﺎﻳﺔ
ﺍﻟﺴﻬﻮﻟﺔ .
ﺛﻢ ﺳﻬﻞ ﺗﺴﻬﻴﻼ ﺁﺧﺮ. ﻓﻘﺎﻝ: } ﻓَﻤَﻦْ ﻛَﺎﻥَ
ﻣِﻨْﻜُﻢْ ﻣَﺮِﻳﻀًﺎ ﺃَﻭْ ﻋَﻠَﻰ ﺳَﻔَﺮٍ ﻓَﻌِﺪَّﺓٌ ﻣِﻦْ ﺃَﻳَّﺎﻡٍ
ﺃُﺧَﺮَ { ﻭﺫﻟﻚ ﻟﻠﻤﺸﻘﺔ , ﻓﻲ ﺍﻟﻐﺎﻟﺐ , ﺭﺧﺺ
ﺍﻟﻠﻪ ﻟﻬﻤﺎ , ﻓﻲ ﺍﻟﻔﻄﺮ .
ﻭﻟﻤﺎ ﻛﺎﻥ ﻻ ﺑﺪ ﻣﻦ ﺣﺼﻮﻝ ﻣﺼﻠﺤﺔ ﺍﻟﺼﻴﺎﻡ
ﻟﻜﻞ ﻣﺆﻣﻦ , ﺃﻣﺮﻫﻤﺎ ﺃﻥ ﻳﻘﻀﻴﺎﻩ ﻓﻲ ﺃﻳﺎﻡ
ﺃﺧﺮ ﺇﺫﺍ ﺯﺍﻝ ﺍﻟﻤﺮﺽ , ﻭﺍﻧﻘﻀﻰ ﺍﻟﺴﻔﺮ ,
ﻭﺣﺼﻠﺖ ﺍﻟﺮﺍﺣﺔ .
ﻭﻓﻲ ﻗﻮﻟﻪ : } ﻓَﻌِﺪَّﺓٌ ﻣِﻦْ ﺃَﻳَّﺎﻡٍ { ﻓﻴﻪ ﺩﻟﻴﻞ
ﻋﻠﻰ ﺃﻧﻪ ﻳﻘﻀﻲ ﻋﺪﺩ ﺃﻳﺎﻡ ﺭﻣﻀﺎﻥ , ﻛﺎﻣﻼ
ﻛﺎﻥ , ﺃﻭ ﻧﺎﻗﺼﺎ , ﻭﻋﻠﻰ ﺃﻧﻪ ﻳﺠﻮﺯ ﺃﻥ ﻳﻘﻀﻲ
ﺃﻳﺎﻣﺎ ﻗﺼﻴﺮﺓ ﺑﺎﺭﺩﺓ , ﻋﻦ ﺃﻳﺎﻡ ﻃﻮﻳﻠﺔ ﺣﺎﺭﺓ
ﻛﺎﻟﻌﻜﺲ .
ﻭﻗﻮﻟﻪ : } ﻭَﻋَﻠَﻰ ﺍﻟَّﺬِﻳﻦَ ﻳُﻄِﻴﻘُﻮﻧَﻪُ { ﺃﻱ:
ﻳﻄﻴﻘﻮﻥ ﺍﻟﺼﻴﺎﻡ } ﻓِﺪْﻳَﺔٌ { ﻋﻦ ﻛﻞ ﻳﻮﻡ
ﻳﻔﻄﺮﻭﻧﻪ } ﻃَﻌَﺎﻡُ ﻣِﺴْﻜِﻴﻦٍ { ﻭﻫﺬﺍ ﻓﻲ
ﺍﺑﺘﺪﺍﺀ ﻓﺮﺽ ﺍﻟﺼﻴﺎﻡ , ﻟﻤﺎ ﻛﺎﻧﻮﺍ ﻏﻴﺮ
ﻣﻌﺘﺎﺩﻳﻦ ﻟﻠﺼﻴﺎﻡ , ﻭﻛﺎﻥ ﻓﺮﺿﻪ ﺣﺘﻤﺎ , ﻓﻴﻪ
ﻣﺸﻘﺔ ﻋﻠﻴﻬﻢ , ﺩﺭﺟﻬﻢ ﺍﻟﺮﺏ ﺍﻟﺤﻜﻴﻢ , ﺑﺄﺳﻬﻞ
ﻃﺮﻳﻖ، ﻭﺧﻴَّﺮ ﺍﻟﻤﻄﻴﻖ ﻟﻠﺼﻮﻡ ﺑﻴﻦ ﺃﻥ
ﻳﺼﻮﻡ , ﻭﻫﻮ ﺃﻓﻀﻞ , ﺃﻭ ﻳﻄﻌﻢ، ﻭﻟﻬﺬﺍ ﻗﺎﻝ :
} ﻭَﺃَﻥْ ﺗَﺼُﻮﻣُﻮﺍ ﺧَﻴْﺮٌ ﻟَﻜُﻢْ {
ﺛﻢ ﺑﻌﺪ ﺫﻟﻚ , ﺟﻌﻞ ﺍﻟﺼﻴﺎﻡ ﺣﺘﻤﺎ ﻋﻠﻰ
ﺍﻟﻤﻄﻴﻖ ﻭﻏﻴﺮ ﺍﻟﻤﻄﻴﻖ , ﻳﻔﻄﺮ ﻭﻳﻘﻀﻴﻪ ﻓﻲ
ﺃﻳﺎﻡ ﺃﺧﺮ ]ﻭﻗﻴﻞ : } ﻭَﻋَﻠَﻰ ﺍﻟَّﺬِﻳﻦَ
ﻳُﻄِﻴﻘُﻮﻧَﻪُ { ﺃﻱ : ﻳﺘﻜﻠﻔﻮﻧﻪ، ﻭﻳﺸﻖ ﻋﻠﻴﻬﻢ
ﻣﺸﻘﺔ ﻏﻴﺮ ﻣﺤﺘﻤﻠﺔ , ﻛﺎﻟﺸﻴﺦ ﺍﻟﻜﺒﻴﺮ , ﻓﺪﻳﺔ
ﻋﻦ ﻛﻞ ﻳﻮﻡ ﻣﺴﻜﻴﻦ ﻭﻫﺬﺍ ﻫﻮ ﺍﻟﺼﺤﻴﺢ [
} ﺷَﻬْﺮُ ﺭَﻣَﻀَﺎﻥَ ﺍﻟَّﺬِﻱ ﺃُﻧْﺰِﻝَ ﻓِﻴﻪِ ﺍﻟْﻘُﺮْﺁﻥُ { ﺃﻱ :
ﺍﻟﺼﻮﻡ ﺍﻟﻤﻔﺮﻭﺽ ﻋﻠﻴﻜﻢ , ﻫﻮ ﺷﻬﺮ ﺭﻣﻀﺎﻥ ,
ﺍﻟﺸﻬﺮ ﺍﻟﻌﻈﻴﻢ , ﺍﻟﺬﻱ ﻗﺪ ﺣﺼﻞ ﻟﻜﻢ ﻓﻴﻪ ﻣﻦ
ﺍﻟﻠﻪ ﺍﻟﻔﻀﻞ ﺍﻟﻌﻈﻴﻢ، ﻭﻫﻮ ﺍﻟﻘﺮﺁﻥ ﺍﻟﻜﺮﻳﻢ ,
ﺍﻟﻤﺸﺘﻤﻞ ﻋﻠﻰ ﺍﻟﻬﺪﺍﻳﺔ ﻟﻤﺼﺎﻟﺤﻜﻢ ﺍﻟﺪﻳﻨﻴﺔ
ﻭﺍﻟﺪﻧﻴﻮﻳﺔ , ﻭﺗﺒﻴﻴﻦ ﺍﻟﺤﻖ ﺑﺄﻭﺿﺢ ﺑﻴﺎﻥ ,
ﻭﺍﻟﻔﺮﻗﺎﻥ ﺑﻴﻦ ﺍﻟﺤﻖ ﻭﺍﻟﺒﺎﻃﻞ , ﻭﺍﻟﻬﺪﻯ
ﻭﺍﻟﻀﻼﻝ , ﻭﺃﻫﻞ ﺍﻟﺴﻌﺎﺩﺓ ﻭﺃﻫﻞ ﺍﻟﺸﻘﺎﻭﺓ.
ﻓﺤﻘﻴﻖ ﺑﺸﻬﺮ , ﻫﺬﺍ ﻓﻀﻠﻪ , ﻭﻫﺬﺍ ﺇﺣﺴﺎﻥ
ﺍﻟﻠﻪ ﻋﻠﻴﻜﻢ ﻓﻴﻪ , ﺃﻥ ﻳﻜﻮﻥ ﻣﻮﺳﻤﺎ ﻟﻠﻌﺒﺎﺩ
ﻣﻔﺮﻭﺿﺎ ﻓﻴﻪ ﺍﻟﺼﻴﺎﻡ .
ﻓﻠﻤﺎ ﻗﺮﺭﻩ , ﻭﺑﻴﻦ ﻓﻀﻴﻠﺘﻪ , ﻭﺣﻜﻤﺔ ﺍﻟﻠﻪ
ﺗﻌﺎﻟﻰ ﻓﻲ ﺗﺨﺼﻴﺼﻪ ﻗﺎﻝ: } ﻓَﻤَﻦْ ﺷَﻬِﺪَ
ﻣِﻨْﻜُﻢُ ﺍﻟﺸَّﻬْﺮَ ﻓَﻠْﻴَﺼُﻤْﻪُ { ﻫﺬﺍ ﻓﻴﻪ ﺗﻌﻴﻴﻦ
ﺍﻟﺼﻴﺎﻡ ﻋﻠﻰ ﺍﻟﻘﺎﺩﺭ ﺍﻟﺼﺤﻴﺢ ﺍﻟﺤﺎﺿﺮ .
ﻭﻟﻤﺎ ﻛﺎﻥ ﺍﻟﻨﺴﺦ ﻟﻠﺘﺨﻴﻴﺮ , ﺑﻴﻦ ﺍﻟﺼﻴﺎﻡ
ﻭﺍﻟﻔﺪﺍﺀ ﺧﺎﺻﺔ , ﺃﻋﺎﺩ ﺍﻟﺮﺧﺼﺔ ﻟﻠﻤﺮﻳﺾ
ﻭﺍﻟﻤﺴﺎﻓﺮ , ﻟﺌﻼ ﻳﺘﻮﻫﻢ ﺃﻥ ﺍﻟﺮﺧﺼﺔ ﺃﻳﻀﺎ
ﻣﻨﺴﻮﺧﺔ ] ﻓﻘﺎﻝ [ } ﻳُﺮِﻳﺪُ ﺍﻟﻠَّﻪُ ﺑِﻜُﻢُ ﺍﻟْﻴُﺴْﺮَ
ﻭَﻟَﺎ ﻳُﺮِﻳﺪُ ﺑِﻜُﻢُ ﺍﻟْﻌُﺴْﺮَ { ﺃﻱ: ﻳﺮﻳﺪ ﺍﻟﻠﻪ ﺗﻌﺎﻟﻰ
ﺃﻥ ﻳﻴﺴﺮ ﻋﻠﻴﻜﻢ ﺍﻟﻄﺮﻕ ﺍﻟﻤﻮﺻﻠﺔ ﺇﻟﻰ
ﺭﺿﻮﺍﻧﻪ ﺃﻋﻈﻢ ﺗﻴﺴﻴﺮ , ﻭﻳﺴﻬﻠﻬﺎ ﺃﺷﺪ
ﺗﺴﻬﻴﻞ، ﻭﻟﻬﺬﺍ ﻛﺎﻥ ﺟﻤﻴﻊ ﻣﺎ ﺃﻣﺮ ﺍﻟﻠﻪ
ﺑﻪ ﻋﺒﺎﺩﻩ ﻓﻲ ﻏﺎﻳﺔ ﺍﻟﺴﻬﻮﻟﺔ ﻓﻲ ﺃﺻﻠﻪ.
ﻭﺇﺫﺍ ﺣﺼﻠﺖ ﺑﻌﺾ ﺍﻟﻌﻮﺍﺭﺽ ﺍﻟﻤﻮﺟﺒﺔ
ﻟﺜﻘﻠﻪ , ﺳﻬَّﻠﻪ ﺗﺴﻬﻴﻼ ﺁﺧﺮ , ﺇﻣﺎ ﺑﺈﺳﻘﺎﻃﻪ , ﺃﻭ
ﺗﺨﻔﻴﻔﻪ ﺑﺄﻧﻮﺍﻉ ﺍﻟﺘﺨﻔﻴﻔﺎﺕ .
ﻭﻫﺬﻩ ﺟﻤﻠﺔ ﻻ ﻳﻤﻜﻦ ﺗﻔﺼﻴﻠﻬﺎ , ﻷﻥ
ﺗﻔﺎﺻﻴﻠﻬﺎ , ﺟﻤﻴﻊ ﺍﻟﺸﺮﻋﻴﺎﺕ , ﻭﻳﺪﺧﻞ ﻓﻴﻬﺎ
ﺟﻤﻴﻊ ﺍﻟﺮﺧﺺ ﻭﺍﻟﺘﺨﻔﻴﻔﺎﺕ.
} ﻭَﻟِﺘُﻜْﻤِﻠُﻮﺍ ﺍﻟْﻌِﺪَّﺓَ { ﻭﻫﺬﺍ - ﻭﺍﻟﻠﻪ ﺃﻋﻠﻢ - ﻟﺌﻼ
ﻳﺘﻮﻫﻢ ﻣﺘﻮﻫﻢ , ﺃﻥ ﺻﻴﺎﻡ ﺭﻣﻀﺎﻥ , ﻳﺤﺼﻞ
ﺍﻟﻤﻘﺼﻮﺩ ﻣﻨﻪ ﺑﺒﻌﻀﻪ , ﺩﻓﻊ ﻫﺬﺍ ﺍﻟﻮﻫﻢ
ﺑﺎﻷﻣﺮ ﺑﺘﻜﻤﻴﻞ ﻋﺪﺗﻪ، ﻭﻳﺸﻜﺮ ﺍﻟﻠﻪ ] ﺗﻌﺎﻟﻰ [
ﻋﻨﺪ ﺇﺗﻤﺎﻣﻪ ﻋﻠﻰ ﺗﻮﻓﻴﻘﻪ ﻭﺗﺴﻬﻴﻠﻪ ﻭﺗﺒﻴﻴﻨﻪ
ﻟﻌﺒﺎﺩﻩ , ﻭﺑﺎﻟﺘﻜﺒﻴﺮ ﻋﻨﺪ ﺍﻧﻘﻀﺎﺋﻪ , ﻭﻳﺪﺧﻞ
ﻓﻲ ﺫﻟﻚ ﺍﻟﺘﻜﺒﻴﺮ ﻋﻨﺪ ﺭﺅﻳﺔ ﻫﻼﻝ ﺷﻮﺍﻝ
ﺇﻟﻰ ﻓﺮﺍﻍ ﺧﻄﺒﺔ ﺍﻟﻌﻴﺪ .
} 186 { } ﻭَﺇِﺫَﺍ ﺳَﺄَﻟَﻚَ ﻋِﺒَﺎﺩِﻱ ﻋَﻨِّﻲ ﻓَﺈِﻧِّﻲ
ﻗَﺮِﻳﺐٌ ﺃُﺟِﻴﺐُ ﺩَﻋْﻮَﺓَ ﺍﻟﺪَّﺍﻉِ ﺇِﺫَﺍ ﺩَﻋَﺎﻥِ
ﻓَﻠْﻴَﺴْﺘَﺠِﻴﺒُﻮﺍ ﻟِﻲ ﻭَﻟْﻴُﺆْﻣِﻨُﻮﺍ ﺑِﻲ ﻟَﻌَﻠَّﻬُﻢْ
ﻳَﺮْﺷُﺪُﻭﻥَ {
ﻫﺬﺍ ﺟﻮﺍﺏ ﺳﺆﺍﻝ، ﺳﺄﻝ ﺍﻟﻨﺒﻲ ﺻﻠﻰ ﺍﻟﻠﻪ
ﻋﻠﻴﻪ ﻭﺳﻠﻢ ﺑﻌﺾ ﺃﺻﺤﺎﺑﻪ ﻓﻘﺎﻟﻮﺍ: ﻳﺎ
ﺭﺳﻮﻝ ﺍﻟﻠﻪ , ﺃﻗﺮﻳﺐ ﺭﺑﻨﺎ ﻓﻨﻨﺎﺟﻴﻪ , ﺃﻡ ﺑﻌﻴﺪ
ﻓﻨﻨﺎﺩﻳﻪ؟ ﻓﻨﺰﻝ: } ﻭَﺇِﺫَﺍ ﺳَﺄَﻟَﻚَ ﻋِﺒَﺎﺩِﻱ ﻋَﻨِّﻲ
ﻓَﺈِﻧِّﻲ ﻗَﺮِﻳﺐٌ { ﻷﻧﻪ ﺗﻌﺎﻟﻰ , ﺍﻟﺮﻗﻴﺐ ﺍﻟﺸﻬﻴﺪ ,
ﺍﻟﻤﻄﻠﻊ ﻋﻠﻰ ﺍﻟﺴﺮ ﻭﺃﺧﻔﻰ , ﻳﻌﻠﻢ ﺧﺎﺋﻨﺔ
ﺍﻷﻋﻴﻦ ﻭﻣﺎ ﺗﺨﻔﻲ ﺍﻟﺼﺪﻭﺭ , ﻓﻬﻮ ﻗﺮﻳﺐ
ﺃﻳﻀﺎ ﻣﻦ ﺩﺍﻋﻴﻪ , ﺑﺎﻹﺟﺎﺑﺔ، ﻭﻟﻬﺬﺍ ﻗﺎﻝ:
} ﺃُﺟِﻴﺐُ ﺩَﻋْﻮَﺓَ ﺍﻟﺪَّﺍﻉِ ﺇِﺫَﺍ ﺩَﻋَﺎﻥِ { ﻭﺍﻟﺪﻋﺎﺀ
ﻧﻮﻋﺎﻥ : ﺩﻋﺎﺀ ﻋﺒﺎﺩﺓ , ﻭﺩﻋﺎﺀ ﻣﺴﺄﻟﺔ .
ﻭﺍﻟﻘﺮﺏ ﻧﻮﻋﺎﻥ : ﻗﺮﺏ ﺑﻌﻠﻤﻪ ﻣﻦ ﻛﻞ ﺧﻠﻘﻪ ,
ﻭﻗﺮﺏ ﻣﻦ ﻋﺎﺑﺪﻳﻪ ﻭﺩﺍﻋﻴﻪ ﺑﺎﻹﺟﺎﺑﺔ
ﻭﺍﻟﻤﻌﻮﻧﺔ ﻭﺍﻟﺘﻮﻓﻴﻖ.
ﻓﻤﻦ ﺩﻋﺎ ﺭﺑﻪ ﺑﻘﻠﺐ ﺣﺎﺿﺮ , ﻭﺩﻋﺎﺀ
ﻣﺸﺮﻭﻉ , ﻭﻟﻢ ﻳﻤﻨﻊ ﻣﺎﻧﻊ ﻣﻦ ﺇﺟﺎﺑﺔ ﺍﻟﺪﻋﺎﺀ ,
ﻛﺄﻛﻞ ﺍﻟﺤﺮﺍﻡ ﻭﻧﺤﻮﻩ , ﻓﺈﻥ ﺍﻟﻠﻪ ﻗﺪ ﻭﻋﺪﻩ
ﺑﺎﻹﺟﺎﺑﺔ، ﻭﺧﺼﻮﺻﺎ ﺇﺫﺍ ﺃﺗﻰ ﺑﺄﺳﺒﺎﺏ ﺇﺟﺎﺑﺔ
ﺍﻟﺪﻋﺎﺀ , ﻭﻫﻲ ﺍﻻﺳﺘﺠﺎﺑﺔ ﻟﻠﻪ ﺗﻌﺎﻟﻰ
ﺑﺎﻻﻧﻘﻴﺎﺩ ﻷﻭﺍﻣﺮﻩ ﻭﻧﻮﺍﻫﻴﻪ ﺍﻟﻘﻮﻟﻴﺔ ﻭﺍﻟﻔﻌﻠﻴﺔ ,
ﻭﺍﻹﻳﻤﺎﻥ ﺑﻪ , ﺍﻟﻤﻮﺟﺐ ﻟﻼﺳﺘﺠﺎﺑﺔ، ﻓﻠﻬﺬﺍ
ﻗﺎﻝ : } ﻓَﻠْﻴَﺴْﺘَﺠِﻴﺒُﻮﺍ ﻟِﻲ ﻭَﻟْﻴُﺆْﻣِﻨُﻮﺍ ﺑِﻲ ﻟَﻌَﻠَّﻬُﻢْ
ﻳَﺮْﺷُﺪُﻭﻥَ { ﺃﻱ : ﻳﺤﺼﻞ ﻟﻬﻢ ﺍﻟﺮﺷﺪ ﺍﻟﺬﻱ ﻫﻮ
ﺍﻟﻬﺪﺍﻳﺔ ﻟﻺﻳﻤﺎﻥ ﻭﺍﻷﻋﻤﺎﻝ ﺍﻟﺼﺎﻟﺤﺔ , ﻭﻳﺰﻭﻝ
ﻋﻨﻬﻢ ﺍﻟﻐﻲ ﺍﻟﻤﻨﺎﻓﻲ ﻟﻺﻳﻤﺎﻥ ﻭﺍﻷﻋﻤﺎﻝ
ﺍﻟﺼﺎﻟﺤﺔ . ﻭﻷﻥ ﺍﻹﻳﻤﺎﻥ ﺑﺎﻟﻠﻪ ﻭﺍﻻﺳﺘﺠﺎﺑﺔ
ﻷﻣﺮﻩ , ﺳﺒﺐ ﻟﺤﺼﻮﻝ ﺍﻟﻌﻠﻢ ﻛﻤﺎ ﻗﺎﻝ
ﺗﻌﺎﻟﻰ : } ﻳَﺎ ﺃَﻳُّﻬَﺎ ﺍﻟَّﺬِﻳﻦَ ﺁﻣَﻨُﻮﺍ ﺇِﻥْ ﺗَﺘَّﻘُﻮﺍ ﺍﻟﻠَّﻪَ
ﻳَﺠْﻌَﻞْ ﻟَﻜُﻢْ ﻓُﺮْﻗَﺎﻧًﺎ
} 187 { ﺛﻢ ﻗﺎﻝ ﺗﻌﺎﻟﻰ: } ﺃُﺣِﻞَّ ﻟَﻜُﻢْ ﻟَﻴْﻠَﺔَ
ﺍﻟﺼِّﻴَﺎﻡِ ﺍﻟﺮَّﻓَﺚُ ﺇِﻟَﻰ ﻧِﺴَﺎﺋِﻜُﻢْ ﻫُﻦَّ ﻟِﺒَﺎﺱٌ ﻟَﻜُﻢْ
ﻭَﺃَﻧْﺘُﻢْ ﻟِﺒَﺎﺱٌ ﻟَﻬُﻦَّ ﻋَﻠِﻢَ ﺍﻟﻠَّﻪُ ﺃَﻧَّﻜُﻢْ ﻛُﻨْﺘُﻢْ
ﺗَﺨْﺘَﺎﻧُﻮﻥَ ﺃَﻧْﻔُﺴَﻜُﻢْ ﻓَﺘَﺎﺏَ ﻋَﻠَﻴْﻜُﻢْ ﻭَﻋَﻔَﺎ ﻋَﻨْﻜُﻢْ
ﻓَﺎﻟْﺂﻥَ ﺑَﺎﺷِﺮُﻭﻫُﻦَّ ﻭَﺍﺑْﺘَﻐُﻮﺍ ﻣَﺎ ﻛَﺘَﺐَ ﺍﻟﻠَّﻪُ ﻟَﻜُﻢْ
ﻭَﻛُﻠُﻮﺍ ﻭَﺍﺷْﺮَﺑُﻮﺍ ﺣَﺘَّﻰ ﻳَﺘَﺒَﻴَّﻦَ ﻟَﻜُﻢُ ﺍﻟْﺨَﻴْﻂُ
ﺍﻟْﺄَﺑْﻴَﺾُ ﻣِﻦَ ﺍﻟْﺨَﻴْﻂِ ﺍﻟْﺄَﺳْﻮَﺩِ ﻣِﻦَ ﺍﻟْﻔَﺠْﺮِ ﺛُﻢَّ
ﺃَﺗِﻤُّﻮﺍ ﺍﻟﺼِّﻴَﺎﻡَ ﺇِﻟَﻰ ﺍﻟﻠَّﻴْﻞِ ﻭَﻟَﺎ ﺗُﺒَﺎﺷِﺮُﻭﻫُﻦَّ
ﻭَﺃَﻧْﺘُﻢْ ﻋَﺎﻛِﻔُﻮﻥَ ﻓِﻲ ﺍﻟْﻤَﺴَﺎﺟِﺪِ ﺗِﻠْﻚَ ﺣُﺪُﻭﺩُ
ﺍﻟﻠَّﻪِ ﻓَﻠَﺎ ﺗَﻘْﺮَﺑُﻮﻫَﺎ ﻛَﺬَﻟِﻚَ ﻳُﺒَﻴِّﻦُ ﺍﻟﻠَّﻪُ ﺁﻳَﺎﺗِﻪِ
ﻟِﻠﻨَّﺎﺱِ ﻟَﻌَﻠَّﻬُﻢْ ﻳَﺘَّﻘُﻮﻥَ {
ﻛﺎﻥ ﻓﻲ ﺃﻭﻝ ﻓﺮﺽ ﺍﻟﺼﻴﺎﻡ، ﻳﺤﺮﻡ ﻋﻠﻰ
ﺍﻟﻤﺴﻠﻤﻴﻦ ﻓﻲ ﺍﻟﻠﻴﻞ ﺑﻌﺪ ﺍﻟﻨﻮﻡ ﺍﻷﻛﻞ
ﻭﺍﻟﺸﺮﺏ ﻭﺍﻟﺠﻤﺎﻉ، ﻓﺤﺼﻠﺖ ﺍﻟﻤﺸﻘﺔ
ﻟﺒﻌﻀﻬﻢ، ﻓﺨﻔﻒ ﺍﻟﻠﻪ ﺗﻌﺎﻟﻰ ﻋﻨﻬﻢ ﺫﻟﻚ،
ﻭﺃﺑﺎﺡ ﻓﻲ ﻟﻴﺎﻟﻲ ﺍﻟﺼﻴﺎﻡ ﻛﻠﻬﺎ ﺍﻷﻛﻞ
ﻭﺍﻟﺸﺮﺏ ﻭﺍﻟﺠﻤﺎﻉ، ﺳﻮﺍﺀ ﻧﺎﻡ ﺃﻭ ﻟﻢ ﻳﻨﻢ،
ﻟﻜﻮﻧﻬﻢ ﻳﺨﺘﺎﻧﻮﻥ ﺃﻧﻔﺴﻬﻢ ﺑﺘﺮﻙ ﺑﻌﺾ ﻣﺎ
ﺃﻣﺮﻭﺍ ﺑﻪ .
} ﻓﺘﺎﺏ { ﺍﻟﻠﻪ } ﻋﻠﻴﻜﻢ { ﺑﺄﻥ ﻭﺳﻊ ﻟﻜﻢ
ﺃﻣﺮﺍ ﻛﺎﻥ - ﻟﻮﻻ ﺗﻮﺳﻌﺘﻪ - ﻣﻮﺟﺒﺎ ﻟﻺﺛﻢ
} ﻭﻋﻔﺎ ﻋﻨﻜﻢ { ﻣﺎ ﺳﻠﻒ ﻣﻦ ﺍﻟﺘﺨﻮﻥ .
} ﻓﺎﻵﻥ { ﺑﻌﺪ ﻫﺬﻩ ﺍﻟﺮﺧﺼﺔ ﻭﺍﻟﺴﻌﺔ ﻣﻦ
ﺍﻟﻠﻪ } ﺑﺎﺷﺮﻭﻫﻦ { ﻭﻃﺄ ﻭﻗﺒﻠﺔ ﻭﻟﻤﺴﺎ ﻭﻏﻴﺮ
ﺫﻟﻚ .
} ﻭﺍﺑﺘﻐﻮﺍ ﻣﺎ ﻛﺘﺐ ﺍﻟﻠﻪ ﻟﻜﻢ { ﺃﻱ : ﺍﻧﻮﻭﺍ
ﻓﻲ ﻣﺒﺎﺷﺮﺗﻜﻢ ﻟﺰﻭﺟﺎﺗﻜﻢ ﺍﻟﺘﻘﺮﺏ ﺇﻟﻰ ﺍﻟﻠﻪ
ﺗﻌﺎﻟﻰ ﻭﺍﻟﻤﻘﺼﻮﺩ ﺍﻷﻋﻈﻢ ﻣﻦ ﺍﻟﻮﻁﺀ، ﻭﻫﻮ
ﺣﺼﻮﻝ ﺍﻟﺬﺭﻳﺔ ﻭﺇﻋﻔﺎﻑ ﻓﺮﺟﻪ ﻭﻓﺮﺝ
ﺯﻭﺟﺘﻪ، ﻭﺣﺼﻮﻝ ﻣﻘﺎﺻﺪ ﺍﻟﻨﻜﺎﺡ.
ﻭﻣﻤﺎ ﻛﺘﺐ ﺍﻟﻠﻪ ﻟﻜﻢ ﻟﻴﻠﺔ ﺍﻟﻘﺪﺭ، ﺍﻟﻤﻮﺍﻓﻘﺔ
ﻟﻠﻴﺎﻟﻲ ﺻﻴﺎﻡ ﺭﻣﻀﺎﻥ، ﻓﻼ ﻳﻨﺒﻐﻲ ﻟﻜﻢ ﺃﻥ
ﺗﺸﺘﻐﻠﻮﺍ ﺑﻬﺬﻩ ﺍﻟﻠﺬﺓ ﻋﻨﻬﺎ ﻭﺗﻀﻴﻌﻮﻫﺎ،
ﻓﺎﻟﻠﺬﺓ ﻣﺪﺭﻛﺔ، ﻭﻟﻴﻠﺔ ﺍﻟﻘﺪﺭ ﺇﺫﺍ ﻓﺎﺗﺖ ﻟﻢ
ﺗﺪﺭﻙ.
} ﻭﻛﻠﻮﺍ ﻭﺍﺷﺮﺑﻮﺍ ﺣﺘﻰ ﻳﺘﺒﻴﻦ ﻟﻜﻢ ﺍﻟﺨﻴﻂ
ﺍﻷﺑﻴﺾ ﻣﻦ ﺍﻟﺨﻴﻂ ﺍﻷﺳﻮﺩ ﻣﻦ ﺍﻟﻔﺠﺮ {
ﻫﺬﺍ ﻏﺎﻳﺔ ﻟﻸﻛﻞ ﻭﺍﻟﺸﺮﺏ ﻭﺍﻟﺠﻤﺎﻉ، ﻭﻓﻴﻪ
ﺃﻧﻪ ﺇﺫﺍ ﺃﻛﻞ ﻭﻧﺤﻮﻩ ﺷﺎﻛﺎ ﻓﻲ ﻃﻠﻮﻉ ﺍﻟﻔﺠﺮ
ﻓﻼ ﺑﺄﺱ ﻋﻠﻴﻪ .
ﻭﻓﻴﻪ: ﺩﻟﻴﻞ ﻋﻠﻰ ﺍﺳﺘﺤﺒﺎﺏ ﺍﻟﺴﺤﻮﺭ ﻟﻸﻣﺮ،
ﻭﺃﻧﻪ ﻳﺴﺘﺤﺐ ﺗﺄﺧﻴﺮﻩ ﺃﺧﺬﺍ ﻣﻦ ﻣﻌﻨﻰ
ﺭﺧﺼﺔ ﺍﻟﻠﻪ ﻭﺗﺴﻬﻴﻠﻪ ﻋﻠﻰ ﺍﻟﻌﺒﺎﺩ .
ﻭﻓﻴﻪ ﺃﻳﻀﺎ ﺩﻟﻴﻞ ﻋﻠﻰ ﺃﻧﻪ ﻳﺠﻮﺯ ﺃﻥ ﻳﺪﺭﻛﻪ
ﺍﻟﻔﺠﺮ ﻭﻫﻮ ﺟﻨﺐ ﻣﻦ ﺍﻟﺠﻤﺎﻉ ﻗﺒﻞ ﺃﻥ
ﻳﻐﺘﺴﻞ، ﻭﻳﺼﺢ ﺻﻴﺎﻣﻪ، ﻷﻥ ﻻﺯﻡ ﺇﺑﺎﺣﺔ
ﺍﻟﺠﻤﺎﻉ ﺇﻟﻰ ﻃﻠﻮﻉ ﺍﻟﻔﺠﺮ، ﺃﻥ ﻳﺪﺭﻛﻪ ﺍﻟﻔﺠﺮ
ﻭﻫﻮ ﺟﻨﺐ، ﻭﻻﺯﻡ ﺍﻟﺤﻖ ﺣﻖ .
} ﺛﻢ { ﺇﺫﺍ ﻃﻠﻊ ﺍﻟﻔﺠﺮ } ﺃﺗﻤﻮﺍ ﺍﻟﺼﻴﺎﻡ {
ﺃﻱ: ﺍﻹﻣﺴﺎﻙ ﻋﻦ ﺍﻟﻤﻔﻄﺮﺍﺕ } ﺇﻟﻰ ﺍﻟﻠﻴﻞ {
ﻭﻫﻮ ﻏﺮﻭﺏ ﺍﻟﺸﻤﺲ ﻭﻟﻤﺎ ﻛﺎﻥ ﺇﺑﺎﺣﺔ ﺍﻟﻮﻁﺀ
ﻓﻲ ﻟﻴﺎﻟﻲ ﺍﻟﺼﻴﺎﻡ ﻟﻴﺴﺖ ﺇﺑﺎﺣﺘﻪ ﻋﺎﻣﺔ ﻟﻜﻞ
ﺃﺣﺪ، ﻓﺈﻥ ﺍﻟﻤﻌﺘﻜﻒ ﻻ ﻳﺤﻞ ﻟﻪ ﺫﻟﻚ،
ﺍﺳﺘﺜﻨﺎﻩ ﺑﻘﻮﻟﻪ : } ﻭﻻ ﺗﺒﺎﺷﺮﻭﻫﻦ ﻭﺃﻧﺘﻢ
ﻋﺎﻛﻔﻮﻥ ﻓﻲ ﺍﻟﻤﺴﺎﺟﺪ { ﺃﻱ: ﻭﺃﻧﺘﻢ
ﻣﺘﺼﻔﻮﻥ ﺑﺬﻟﻚ، ﻭﺩﻟﺖ ﺍﻵﻳﺔ ﻋﻠﻰ
ﻣﺸﺮﻭﻋﻴﺔ ﺍﻻﻋﺘﻜﺎﻑ، ﻭﻫﻮ ﻟﺰﻭﻡ ﺍﻟﻤﺴﺠﺪ
ﻟﻄﺎﻋﺔ ﺍﻟﻠﻪ ] ﺗﻌﺎﻟﻰ [ ، ﻭﺍﻧﻘﻄﺎﻋﺎ ﺇﻟﻴﻪ، ﻭﺃﻥ
ﺍﻻﻋﺘﻜﺎﻑ ﻻ ﻳﺼﺢ ﺇﻻ ﻓﻲ ﺍﻟﻤﺴﺠﺪ .
ﻭﻳﺴﺘﻔﺎﺩ ﻣﻦ ﺗﻌﺮﻳﻒ ﺍﻟﻤﺴﺎﺟﺪ، ﺃﻧﻬﺎ
ﺍﻟﻤﺴﺎﺟﺪ ﺍﻟﻤﻌﺮﻭﻓﺔ ﻋﻨﺪﻫﻢ، ﻭﻫﻲ ﺍﻟﺘﻲ ﺗﻘﺎﻡ
ﻓﻴﻬﺎ ﺍﻟﺼﻠﻮﺍﺕ ﺍﻟﺨﻤﺲ .
ﻭﻓﻴﻪ ﺃﻥ ﺍﻟﻮﻁﺀ ﻣﻦ ﻣﻔﺴﺪﺍﺕ ﺍﻻﻋﺘﻜﺎﻑ.
} ﺗﻠﻚ { ﺍﻟﻤﺬﻛﻮﺭﺍﺕ - ﻭﻫﻮ ﺗﺤﺮﻳﻢ ﺍﻷﻛﻞ
ﻭﺍﻟﺸﺮﺏ ﻭﺍﻟﺠﻤﺎﻉ ﻭﻧﺤﻮﻩ ﻣﻦ ﺍﻟﻤﻔﻄﺮﺍﺕ
ﻓﻲ ﺍﻟﺼﻴﺎﻡ، ﻭﺗﺤﺮﻳﻢ ﺍﻟﻔﻄﺮ ﻋﻠﻰ ﻏﻴﺮ
ﺍﻟﻤﻌﺬﻭﺭ، ﻭﺗﺤﺮﻳﻢ ﺍﻟﻮﻁﺀ ﻋﻠﻰ ﺍﻟﻤﻌﺘﻜﻒ،
ﻭﻧﺤﻮ ﺫﻟﻚ ﻣﻦ ﺍﻟﻤﺤﺮﻣﺎﺕ } ﺣﺪﻭﺩ ﺍﻟﻠﻪ {
ﺍﻟﺘﻲ ﺣﺪﻫﺎ ﻟﻌﺒﺎﺩﻩ، ﻭﻧﻬﺎﻫﻢ ﻋﻨﻬﺎ، ﻓﻘﺎﻝ :
} ﻓﻼ ﺗﻘﺮﺑﻮﻫﺎ { ﺃﺑﻠﻎ ﻣﻦ ﻗﻮﻟﻪ : " ﻓﻼ
ﺗﻔﻌﻠﻮﻫﺎ " ﻷﻥ ﺍﻟﻘﺮﺑﺎﻥ، ﻳﺸﻤﻞ ﺍﻟﻨﻬﻲ ﻋﻦ
ﻓﻌﻞ ﺍﻟﻤﺤﺮﻡ ﺑﻨﻔﺴﻪ، ﻭﺍﻟﻨﻬﻲ ﻋﻦ ﻭﺳﺎﺋﻠﻪ
ﺍﻟﻤﻮﺻﻠﺔ ﺇﻟﻴﻪ.
ﻭﺍﻟﻌﺒﺪ ﻣﺄﻣﻮﺭ ﺑﺘﺮﻙ ﺍﻟﻤﺤﺮﻣﺎﺕ، ﻭﺍﻟﺒﻌﺪ ﻣﻨﻬﺎ
ﻏﺎﻳﺔ ﻣﺎ ﻳﻤﻜﻨﻪ، ﻭﺗﺮﻙ ﻛﻞ ﺳﺒﺐ ﻳﺪﻋﻮ
ﺇﻟﻴﻬﺎ، ﻭﺃﻣﺎ ﺍﻷﻭﺍﻣﺮ ﻓﻴﻘﻮﻝ ﺍﻟﻠﻪ ﻓﻴﻬﺎ: } ﺗﻠﻚ
ﺣﺪﻭﺩ ﺍﻟﻠﻪ ﻓﻼ ﺗﻌﺘﺪﻭﻫﺎ { ﻓﻴﻨﻬﻰ ﻋﻦ
ﻣﺠﺎﻭﺯﺗﻬﺎ.
} ﻛﺬﻟﻚ { ﺃﻱ: ﺑﻴَّﻦ ] ﺍﻟﻠﻪ [ ﻟﻌﺒﺎﺩﻩ ﺍﻷﺣﻜﺎﻡ
ﺍﻟﺴﺎﺑﻘﺔ ﺃﺗﻢ ﺗﺒﻴﻴﻦ، ﻭﺃﻭﺿﺤﻬﺎ ﻟﻬﻢ ﺃﻛﻤﻞ
ﺇﻳﻀﺎﺡ.
} ﻳﺒﻴﻦ ﺍﻟﻠﻪ ﺁﻳﺎﺗﻪ ﻟﻠﻨﺎﺱ ﻟﻌﻠﻬﻢ ﻳﺘﻘﻮﻥ {
ﻓﺈﻧﻬﻢ ﺇﺫﺍ ﺑﺎﻥ ﻟﻬﻢ ﺍﻟﺤﻖ ﺍﺗﺒﻌﻮﻩ، ﻭﺇﺫﺍ ﺗﺒﻴﻦ
ﻟﻬﻢ ﺍﻟﺒﺎﻃﻞ ﺍﺟﺘﻨﺒﻮﻩ، ﻓﺈﻥ ﺍﻹﻧﺴﺎﻥ ﻗﺪ ﻳﻔﻌﻞ
ﺍﻟﻤﺤﺮﻡ ﻋﻠﻰ ﻭﺟﻪ ﺍﻟﺠﻬﻞ ﺑﺄﻧﻪ ﻣﺤﺮﻡ، ﻭﻟﻮ
ﻋﻠﻢ ﺗﺤﺮﻳﻤﻪ ﻟﻢ ﻳﻔﻌﻠﻪ، ﻓﺈﺫﺍ ﺑﻴﻦ ﺍﻟﻠﻪ
ﻟﻠﻨﺎﺱ ﺁﻳﺎﺗﻪ، ﻟﻢ ﻳﺒﻖ ﻟﻬﻢ ﻋﺬﺭ ﻭﻻ ﺣﺠﺔ،
ﻓﻜﺎﻥ ﺫﻟﻚ ﺳﺒﺒﺎ ﻟﻠﺘﻘﻮﻯ.
} 188 { } ﻭَﻟَﺎ ﺗَﺄْﻛُﻠُﻮﺍ ﺃَﻣْﻮَﺍﻟَﻜُﻢْ ﺑَﻴْﻨَﻜُﻢْ
ﺑِﺎﻟْﺒَﺎﻃِﻞِ ﻭَﺗُﺪْﻟُﻮﺍ ﺑِﻬَﺎ ﺇِﻟَﻰ ﺍﻟْﺤُﻜَّﺎﻡِ ﻟِﺘَﺄْﻛُﻠُﻮﺍ
ﻓَﺮِﻳﻘًﺎ ﻣِﻦْ ﺃَﻣْﻮَﺍﻝِ ﺍﻟﻨَّﺎﺱِ ﺑِﺎﻟْﺈِﺛْﻢِ ﻭَﺃَﻧْﺘُﻢْ
ﺗَﻌْﻠَﻤُﻮﻥَ {
ﺃﻱ: ﻭﻻ ﺗﺄﺧﺬﻭﺍ ﺃﻣﻮﺍﻟﻜﻢ ﺃﻱ: ﺃﻣﻮﺍﻝ ﻏﻴﺮﻛﻢ،
ﺃﺿﺎﻓﻬﺎ ﺇﻟﻴﻬﻢ , ﻷﻧﻪ ﻳﻨﺒﻐﻲ ﻟﻠﻤﺴﻠﻢ ﺃﻥ ﻳﺤﺐ
ﻷﺧﻴﻪ ﻣﺎ ﻳﺤﺐ ﻟﻨﻔﺴﻪ , ﻭﻳﺤﺘﺮﻡ ﻣﺎﻟﻪ ﻛﻤﺎ
ﻳﺤﺘﺮﻡ ﻣﺎﻟﻪ؛ ﻭﻷﻥ ﺃﻛﻠﻪ ﻟﻤﺎﻝ ﻏﻴﺮﻩ ﻳﺠﺮﺉ
ﻏﻴﺮﻩ ﻋﻠﻰ ﺃﻛﻞ ﻣﺎﻟﻪ ﻋﻨﺪ ﺍﻟﻘﺪﺭﺓ.
ﻭﻟﻤﺎ ﻛﺎﻥ ﺃﻛﻠﻬﺎ ﻧﻮﻋﻴﻦ: ﻧﻮﻋﺎ ﺑﺤﻖ , ﻭﻧﻮﻋﺎ
ﺑﺒﺎﻃﻞ , ﻭﻛﺎﻥ ﺍﻟﻤﺤﺮﻡ ﺇﻧﻤﺎ ﻫﻮ ﺃﻛﻠﻬﺎ
ﺑﺎﻟﺒﺎﻃﻞ , ﻗﻴﺪﻩ ﺗﻌﺎﻟﻰ ﺑﺬﻟﻚ، ﻭﻳﺪﺧﻞ ﻓﻲ
ﺫﻟﻚ ﺃﻛﻠﻬﺎ ﻋﻠﻰ ﻭﺟﻪ ﺍﻟﻐﺼﺐ ﻭﺍﻟﺴﺮﻗﺔ
ﻭﺍﻟﺨﻴﺎﻧﺔ ﻓﻲ ﻭﺩﻳﻌﺔ ﺃﻭ ﻋﺎﺭﻳﺔ , ﺃﻭ ﻧﺤﻮ
ﺫﻟﻚ، ﻭﻳﺪﺧﻞ ﻓﻴﻪ ﺃﻳﻀﺎ , ﺃﺧﺬﻫﺎ ﻋﻠﻰ ﻭﺟﻪ
ﺍﻟﻤﻌﺎﻭﺿﺔ , ﺑﻤﻌﺎﻭﺿﺔ ﻣﺤﺮﻣﺔ , ﻛﻌﻘﻮﺩ ﺍﻟﺮﺑﺎ ,
ﻭﺍﻟﻘﻤﺎﺭ ﻛﻠﻬﺎ , ﻓﺈﻧﻬﺎ ﻣﻦ ﺃﻛﻞ ﺍﻟﻤﺎﻝ ﺑﺎﻟﺒﺎﻃﻞ ,
ﻷﻧﻪ ﻟﻴﺲ ﻓﻲ ﻣﻘﺎﺑﻠﺔ ﻋﻮﺽ ﻣﺒﺎﺡ، ﻭﻳﺪﺧﻞ
ﻓﻲ ﺫﻟﻚ ﺃﺧﺬﻫﺎ ﺑﺴﺒﺐ ﻏﺶ ﻓﻲ ﺍﻟﺒﻴﻊ
ﻭﺍﻟﺸﺮﺍﺀ ﻭﺍﻹﺟﺎﺭﺓ , ﻭﻧﺤﻮﻫﺎ، ﻭﻳﺪﺧﻞ ﻓﻲ
ﺫﻟﻚ ﺍﺳﺘﻌﻤﺎﻝ ﺍﻷﺟﺮﺍﺀ ﻭﺃﻛﻞ ﺃﺟﺮﺗﻬﻢ،
ﻭﻛﺬﻟﻚ ﺃﺧﺬﻫﻢ ﺃﺟﺮﺓ ﻋﻠﻰ ﻋﻤﻞ ﻟﻢ ﻳﻘﻮﻣﻮﺍ
ﺑﻮﺍﺟﺒﻪ، ﻭﻳﺪﺧﻞ ﻓﻲ ﺫﻟﻚ ﺃﺧﺬ ﺍﻷﺟﺮﺓ ﻋﻠﻰ
ﺍﻟﻌﺒﺎﺩﺍﺕ ﻭﺍﻟﻘﺮﺑﺎﺕ ﺍﻟﺘﻲ ﻻ ﺗﺼﺢ ﺣﺘﻰ
ﻳﻘﺼﺪ ﺑﻬﺎ ﻭﺟﻪ ﺍﻟﻠﻪ ﺗﻌﺎﻟﻰ، ﻭﻳﺪﺧﻞ ﻓﻲ
ﺫﻟﻚ ﺍﻷﺧﺬ ﻣﻦ ﺍﻟﺰﻛﻮﺍﺕ ﻭﺍﻟﺼﺪﻗﺎﺕ ,
ﻭﺍﻷﻭﻗﺎﻑ، ﻭﺍﻟﻮﺻﺎﻳﺎ , ﻟﻤﻦ ﻟﻴﺲ ﻟﻪ ﺣﻖ
ﻣﻨﻬﺎ , ﺃﻭ ﻓﻮﻕ ﺣﻘﻪ.
ﻓﻜﻞ ﻫﺬﺍ ﻭﻧﺤﻮﻩ , ﻣﻦ ﺃﻛﻞ ﺍﻟﻤﺎﻝ ﺑﺎﻟﺒﺎﻃﻞ ,
ﻓﻼ ﻳﺤﻞ ﺫﻟﻚ ﺑﻮﺟﻪ ﻣﻦ ﺍﻟﻮﺟﻮﻩ، ﺣﺘﻰ ﻭﻟﻮ
ﺣﺼﻞ ﻓﻴﻪ ﺍﻟﻨﺰﺍﻉ ﻭﺣﺼﻞ ﺍﻻﺭﺗﻔﺎﻉ ﺇﻟﻰ
ﺣﺎﻛﻢ ﺍﻟﺸﺮﻉ , ﻭﺃﺩﻟﻰ ﻣﻦ ﻳﺮﻳﺪ ﺃﻛﻠﻬﺎ
ﺑﺎﻟﺒﺎﻃﻞ ﺑﺤﺠﺔ , ﻏﻠﺒﺖ ﺣﺠﺔ ﺍﻟﻤﺤﻖ , ﻭﺣﻜﻢ
ﻟﻪ ﺍﻟﺤﺎﻛﻢ ﺑﺬﻟﻚ، ﻓﺈﻥ ﺣﻜﻢ ﺍﻟﺤﺎﻛﻢ , ﻻ
ﻳﺒﻴﺢ ﻣﺤﺮﻣﺎ , ﻭﻻ ﻳﺤﻠﻞ ﺣﺮﺍﻣﺎ , ﺇﻧﻤﺎ ﻳﺤﻜﻢ
ﻋﻠﻰ ﻧﺤﻮ ﻣﻤﺎ ﻳﺴﻤﻊ , ﻭﺇﻻ ﻓﺤﻘﺎﺋﻖ ﺍﻷﻣﻮﺭ
ﺑﺎﻗﻴﺔ، ﻓﻠﻴﺲ ﻓﻲ ﺣﻜﻢ ﺍﻟﺤﺎﻛﻢ ﻟﻠﻤﺒﻄﻞ
ﺭﺍﺣﺔ , ﻭﻻ ﺷﺒﻬﺔ , ﻭﻻ ﺍﺳﺘﺮﺍﺣﺔ .
ﻓﻤﻦ ﺃﺩﻟﻰ ﺇﻟﻰ ﺍﻟﺤﺎﻛﻢ ﺑﺤﺠﺔ ﺑﺎﻃﻠﺔ , ﻭﺣﻜﻢ
ﻟﻪ ﺑﺬﻟﻚ , ﻓﺈﻧﻪ ﻻ ﻳﺤﻞ ﻟﻪ , ﻭﻳﻜﻮﻥ ﺁﻛﻼ ﻟﻤﺎﻝ
ﻏﻴﺮﻩ , ﺑﺎﻟﺒﺎﻃﻞ ﻭﺍﻹﺛﻢ , ﻭﻫﻮ ﻋﺎﻟﻢ ﺑﺬﻟﻚ .
ﻓﻴﻜﻮﻥ ﺃﺑﻠﻎ ﻓﻲ ﻋﻘﻮﺑﺘﻪ , ﻭﺃﺷﺪ ﻓﻲ ﻧﻜﺎﻟﻪ.
ﻭﻋﻠﻰ ﻫﺬﺍ ﻓﺎﻟﻮﻛﻴﻞ ﺇﺫﺍ ﻋﻠﻢ ﺃﻥ ﻣﻮﻛﻠﻪ
ﻣﺒﻄﻞ ﻓﻲ ﺩﻋﻮﺍﻩ , ﻟﻢ ﻳﺤﻞ ﻟﻪ ﺃﻥ ﻳﺨﺎﺻﻢ
ﻋﻦ ﺍﻟﺨﺎﺋﻦ ﻛﻤﺎ ﻗﺎﻝ ﺗﻌﺎﻟﻰ : } ﻭَﻟَﺎ ﺗَﻜُﻦْ
ﻟِﻠْﺨَﺎﺋِﻨِﻴﻦَ ﺧَﺼِﻴﻤًﺎ {
} 189 { } ﻳَﺴْﺄَﻟُﻮﻧَﻚَ ﻋَﻦِ ﺍﻟْﺄَﻫِﻠَّﺔِ ﻗُﻞْ ﻫِﻲَ
ﻣَﻮَﺍﻗِﻴﺖُ ﻟِﻠﻨَّﺎﺱِ ﻭَﺍﻟْﺤَﺞِّ ﻭَﻟَﻴْﺲَ ﺍﻟْﺒِﺮُّ ﺑِﺄَﻥْ
ﺗَﺄْﺗُﻮﺍ ﺍﻟْﺒُﻴُﻮﺕَ ﻣِﻦْ ﻇُﻬُﻮﺭِﻫَﺎ ﻭَﻟَﻜِﻦَّ ﺍﻟْﺒِﺮَّ ﻣَﻦِ
ﺍﺗَّﻘَﻰ ﻭَﺃْﺗُﻮﺍ ﺍﻟْﺒُﻴُﻮﺕَ ﻣِﻦْ ﺃَﺑْﻮَﺍﺑِﻬَﺎ ﻭَﺍﺗَّﻘُﻮﺍ ﺍﻟﻠَّﻪَ
ﻟَﻌَﻠَّﻜُﻢْ ﺗُﻔْﻠِﺤُﻮﻥَ {
ﻳﻘﻮﻝ ﺗﻌﺎﻟﻰ: } ﻳَﺴْﺄَﻟُﻮﻧَﻚَ ﻋَﻦِ ﺍﻟْﺄَﻫِﻠَّﺔِ {
ﺟﻤﻊ - ﻫﻼﻝ - ﻣﺎ ﻓﺎﺋﺪﺗﻬﺎ ﻭﺣﻜﻤﺘﻬﺎ؟ ﺃﻭ ﻋﻦ
ﺫﺍﺗﻬﺎ، } ﻗُﻞْ ﻫِﻲَ ﻣَﻮَﺍﻗِﻴﺖُ ﻟِﻠﻨَّﺎﺱِ { ﺃﻱ:
ﺟﻌﻠﻬﺎ ﺍﻟﻠﻪ ﺗﻌﺎﻟﻰ ﺑﻠﻄﻔﻪ ﻭﺭﺣﻤﺘﻪ ﻋﻠﻰ ﻫﺬﺍ
ﺍﻟﺘﺪﺑﻴﺮ ﻳﺒﺪﻭ ﺍﻟﻬﻼﻝ ﺿﻌﻴﻔﺎ ﻓﻲ ﺃﻭﻝ ﺍﻟﺸﻬﺮ ,
ﺛﻢ ﻳﺘﺰﺍﻳﺪ ﺇﻟﻰ ﻧﺼﻔﻪ , ﺛﻢ ﻳﺸﺮﻉ ﻓﻲ
ﺍﻟﻨﻘﺺ ﺇﻟﻰ ﻛﻤﺎﻟﻪ , ﻭﻫﻜﺬﺍ , ﻟﻴﻌﺮﻑ ﺍﻟﻨﺎﺱ
ﺑﺬﻟﻚ , ﻣﻮﺍﻗﻴﺖ ﻋﺒﺎﺩﺍﺗﻬﻢ ﻣﻦ ﺍﻟﺼﻴﺎﻡ ,
ﻭﺃﻭﻗﺎﺕ ﺍﻟﺰﻛﺎﺓ , ﻭﺍﻟﻜﻔﺎﺭﺍﺕ , ﻭﺃﻭﻗﺎﺕ ﺍﻟﺤﺞ.
ﻭﻟﻤﺎ ﻛﺎﻥ ﺍﻟﺤﺞ ﻳﻘﻊ ﻓﻲ ﺃﺷﻬﺮ ﻣﻌﻠﻮﻣﺎﺕ ,
ﻭﻳﺴﺘﻐﺮﻕ ﺃﻭﻗﺎﺗﺎ ﻛﺜﻴﺮﺓ ﻗﺎﻝ : } ﻭَﺍﻟْﺤَﺞِّ {
ﻭﻛﺬﻟﻚ ﺗﻌﺮﻑ ﺑﺬﻟﻚ , ﺃﻭﻗﺎﺕ ﺍﻟﺪﻳﻮﻥ
ﺍﻟﻤﺆﺟﻼﺕ , ﻭﻣﺪﺓ ﺍﻹﺟﺎﺭﺍﺕ , ﻭﻣﺪﺓ ﺍﻟﻌﺪﺩ
ﻭﺍﻟﺤﻤﻞ , ﻭﻏﻴﺮ ﺫﻟﻚ ﻣﻤﺎ ﻫﻮ ﻣﻦ ﺣﺎﺟﺎﺕ
ﺍﻟﺨﻠﻖ، ﻓﺠﻌﻠﻪ ﺗﻌﺎﻟﻰ , ﺣﺴﺎﺑﺎ , ﻳﻌﺮﻓﻪ ﻛﻞ
ﺃﺣﺪ , ﻣﻦ ﺻﻐﻴﺮ , ﻭﻛﺒﻴﺮ , ﻭﻋﺎﻟﻢ , ﻭﺟﺎﻫﻞ،
ﻓﻠﻮ ﻛﺎﻥ ﺍﻟﺤﺴﺎﺏ ﺑﺎﻟﺴﻨﺔ ﺍﻟﺸﻤﺴﻴﺔ , ﻟﻢ
ﻳﻌﺮﻓﻪ ﺇﻻ ﺍﻟﻨﺎﺩﺭ ﻣﻦ ﺍﻟﻨﺎﺱ .
} ﻭَﻟَﻴْﺲَ ﺍﻟْﺒِﺮُّ ﺑِﺄَﻥْ ﺗَﺄْﺗُﻮﺍ ﺍﻟْﺒُﻴُﻮﺕَ ﻣِﻦْ
ﻇُﻬُﻮﺭِﻫَﺎ { ﻭﻫﺬﺍ ﻛﻤﺎ ﻛﺎﻥ ﺍﻷﻧﺼﺎﺭ ﻭﻏﻴﺮﻫﻢ
ﻣﻦ ﺍﻟﻌﺮﺏ , ﺇﺫﺍ ﺃﺣﺮﻣﻮﺍ , ﻟﻢ ﻳﺪﺧﻠﻮﺍ ﺍﻟﺒﻴﻮﺕ
ﻣﻦ ﺃﺑﻮﺍﺑﻬﺎ , ﺗﻌﺒﺪﺍ ﺑﺬﻟﻚ , ﻭﻇﻨﺎ ﺃﻧﻪ ﺑﺮ .
ﻓﺄﺧﺒﺮ ﺍﻟﻠﻪ ﺃﻧﻪ ﻟﻴﺲ ﺑﺒﺮ ﻷﻥ ﺍﻟﻠﻪ ﺗﻌﺎﻟﻰ ,
ﻟﻢ ﻳﺸﺮﻋﻪ ﻟﻬﻢ، ﻭﻛﻞ ﻣﻦ ﺗﻌﺒﺪ ﺑﻌﺒﺎﺩﺓ ﻟﻢ
ﻳﺸﺮﻋﻬﺎ ﺍﻟﻠﻪ ﻭﻻ ﺭﺳﻮﻟﻪ , ﻓﻬﻮ ﻣﺘﻌﺒﺪ
ﺑﺒﺪﻋﺔ، ﻭﺃﻣﺮﻫﻢ ﺃﻥ ﻳﺄﺗﻮﺍ ﺍﻟﺒﻴﻮﺕ ﻣﻦ
ﺃﺑﻮﺍﺑﻬﺎ ﻟﻤﺎ ﻓﻴﻪ ﻣﻦ ﺍﻟﺴﻬﻮﻟﺔ ﻋﻠﻴﻬﻢ , ﺍﻟﺘﻲ
ﻫﻲ ﻗﺎﻋﺪﺓ ﻣﻦ ﻗﻮﺍﻋﺪ ﺍﻟﺸﺮﻉ .
ﻭﻳﺴﺘﻔﺎﺩ ﻣﻦ ﺇﺷﺎﺭﺓ ﺍﻵﻳﺔ ﺃﻧﻪ ﻳﻨﺒﻐﻲ ﻓﻲ
ﻛﻞ ﺃﻣﺮ ﻣﻦ ﺍﻷﻣﻮﺭ , ﺃﻥ ﻳﺄﺗﻴﻪ ﺍﻹﻧﺴﺎﻥ ﻣﻦ
ﺍﻟﻄﺮﻳﻖ ﺍﻟﺴﻬﻞ ﺍﻟﻘﺮﻳﺐ , ﺍﻟﺬﻱ ﻗﺪ ﺟﻌﻞ ﻟﻪ
ﻣﻮﺻﻼ، ﻓﺎﻵﻣﺮ ﺑﺎﻟﻤﻌﺮﻭﻑ , ﻭﺍﻟﻨﺎﻫﻲ ﻋﻦ
ﺍﻟﻤﻨﻜﺮ , ﻳﻨﺒﻐﻲ ﺃﻥ ﻳﻨﻈﺮ ﻓﻲ ﺣﺎﻟﺔ ﺍﻟﻤﺄﻣﻮﺭ ,
ﻭﻳﺴﺘﻌﻤﻞ ﻣﻌﻪ ﺍﻟﺮﻓﻖ ﻭﺍﻟﺴﻴﺎﺳﺔ , ﺍﻟﺘﻲ ﺑﻬﺎ
ﻳﺤﺼﻞ ﺍﻟﻤﻘﺼﻮﺩ ﺃﻭ ﺑﻌﻀﻪ، ﻭﺍﻟﻤﺘﻌﻠﻢ
ﻭﺍﻟﻤﻌﻠﻢ , ﻳﻨﺒﻐﻲ ﺃﻥ ﻳﺴﻠﻚ ﺃﻗﺮﺏ ﻃﺮﻳﻖ
ﻭﺃﺳﻬﻠﻪ , ﻳﺤﺼﻞ ﺑﻪ ﻣﻘﺼﻮﺩﻩ، ﻭﻫﻜﺬﺍ ﻛﻞ
ﻣﻦ ﺣﺎﻭﻝ ﺃﻣﺮﺍ ﻣﻦ ﺍﻷﻣﻮﺭ ﻭﺃﺗﺎﻩ ﻣﻦ ﺃﺑﻮﺍﺑﻪ
ﻭﺛﺎﺑﺮ ﻋﻠﻴﻪ , ﻓﻼ ﺑﺪ ﺃﻥ ﻳﺤﺼﻞ ﻟﻪ ﺍﻟﻤﻘﺼﻮﺩ
ﺑﻌﻮﻥ ﺍﻟﻤﻠﻚ ﺍﻟﻤﻌﺒﻮﺩ .
} ﻭَﺍﺗَّﻘُﻮﺍ ﺍﻟﻠَّﻪَ { ﻫﺬﺍ ﻫﻮ ﺍﻟﺒﺮ ﺍﻟﺬﻱ ﺃﻣﺮ ﺍﻟﻠﻪ
ﺑﻪ , ﻭﻫﻮ ﻟﺰﻭﻡ ﺗﻘﻮﺍﻩ ﻋﻠﻰ ﺍﻟﺪﻭﺍﻡ , ﺑﺎﻣﺘﺜﺎﻝ
ﺃﻭﺍﻣﺮﻩ , ﻭﺍﺟﺘﻨﺎﺏ ﻧﻮﺍﻫﻴﻪ , ﻓﺈﻧﻪ ﺳﺒﺐ
ﻟﻠﻔﻼﺡ , ﺍﻟﺬﻱ ﻫﻮ ﺍﻟﻔﻮﺯ ﺑﺎﻟﻤﻄﻠﻮﺏ , ﻭﺍﻟﻨﺠﺎﺓ
ﻣﻦ ﺍﻟﻤﺮﻫﻮﺏ، ﻓﻤﻦ ﻟﻢ ﻳﺘﻖ ﺍﻟﻠﻪ ﺗﻌﺎﻟﻰ , ﻟﻢ
ﻳﻜﻦ ﻟﻪ ﺳﺒﻴﻞ ﺇﻟﻰ ﺍﻟﻔﻼﺡ , ﻭﻣﻦ ﺍﺗﻘﺎﻩ , ﻓﺎﺯ
ﺑﺎﻟﻔﻼﺡ ﻭﺍﻟﻨﺠﺎﺡ .
} 190 - 193 { } ﻭَﻗَﺎﺗِﻠُﻮﺍ ﻓِﻲ ﺳَﺒِﻴﻞِ ﺍﻟﻠَّﻪِ
ﺍﻟَّﺬِﻳﻦَ ﻳُﻘَﺎﺗِﻠُﻮﻧَﻜُﻢْ ﻭَﻟَﺎ ﺗَﻌْﺘَﺪُﻭﺍ ﺇِﻥَّ ﺍﻟﻠَّﻪَ ﻟَﺎ
ﻳُﺤِﺐُّ ﺍﻟْﻤُﻌْﺘَﺪِﻳﻦَ *
ﻭَﺍﻗْﺘُﻠُﻮﻫُﻢْ ﺣَﻴْﺚُ ﺛَﻘِﻔْﺘُﻤُﻮﻫُﻢْ ﻭَﺃَﺧْﺮِﺟُﻮﻫُﻢْ ﻣِﻦْ
ﺣَﻴْﺚُ ﺃَﺧْﺮَﺟُﻮﻛُﻢْ ﻭَﺍﻟْﻔِﺘْﻨَﺔُ ﺃَﺷَﺪُّ ﻣِﻦَ ﺍﻟْﻘَﺘْﻞِ ﻭَﻟَﺎ
ﺗُﻘَﺎﺗِﻠُﻮﻫُﻢْ ﻋِﻨْﺪَ ﺍﻟْﻤَﺴْﺠِﺪِ ﺍﻟْﺤَﺮَﺍﻡِ ﺣَﺘَّﻰ
ﻳُﻘَﺎﺗِﻠُﻮﻛُﻢْ ﻓِﻴﻪِ ﻓَﺈِﻥْ ﻗَﺎﺗَﻠُﻮﻛُﻢْ ﻓَﺎﻗْﺘُﻠُﻮﻫُﻢْ
ﻛَﺬَﻟِﻚَ ﺟَﺰَﺍﺀُ ﺍﻟْﻜَﺎﻓِﺮِﻳﻦَ * ﻓَﺈِﻥِ ﺍﻧْﺘَﻬَﻮْﺍ ﻓَﺈِﻥَّ
ﺍﻟﻠَّﻪَ ﻏَﻔُﻮﺭٌ ﺭَﺣِﻴﻢٌ * ﻭَﻗَﺎﺗِﻠُﻮﻫُﻢْ ﺣَﺘَّﻰ ﻟَﺎ ﺗَﻜُﻮﻥَ
ﻓِﺘْﻨَﺔٌ ﻭَﻳَﻜُﻮﻥَ ﺍﻟﺪِّﻳﻦُ ﻟِﻠَّﻪِ ﻓَﺈِﻥِ ﺍﻧْﺘَﻬَﻮْﺍ ﻓَﻠَﺎ
ﻋُﺪْﻭَﺍﻥَ ﺇِﻟَّﺎ ﻋَﻠَﻰ ﺍﻟﻈَّﺎﻟِﻤِﻴﻦَ {
ﻫﺬﻩ ﺍﻵﻳﺎﺕ , ﺗﺘﻀﻤﻦ ﺍﻷﻣﺮ ﺑﺎﻟﻘﺘﺎﻝ ﻓﻲ
ﺳﺒﻴﻞ ﺍﻟﻠﻪ , ﻭﻫﺬﺍ ﻛﺎﻥ ﺑﻌﺪ ﺍﻟﻬﺠﺮﺓ ﺇﻟﻰ
ﺍﻟﻤﺪﻳﻨﺔ , ﻟﻤﺎ ﻗﻮﻱ ﺍﻟﻤﺴﻠﻤﻮﻥ ﻟﻠﻘﺘﺎﻝ , ﺃﻣﺮﻫﻢ
ﺍﻟﻠﻪ ﺑﻪ , ﺑﻌﺪ ﻣﺎ ﻛﺎﻧﻮﺍ ﻣﺄﻣﻮﺭﻳﻦ ﺑﻜﻒ
ﺃﻳﺪﻳﻬﻢ، ﻭﻓﻲ ﺗﺨﺼﻴﺺ ﺍﻟﻘﺘﺎﻝ } ﻓِﻲ ﺳَﺒِﻴﻞِ
ﺍﻟﻠَّﻪِ { ﺣﺚ ﻋﻠﻰ ﺍﻹﺧﻼﺹ , ﻭﻧﻬﻲ ﻋﻦ
ﺍﻻﻗﺘﺘﺎﻝ ﻓﻲ ﺍﻟﻔﺘﻦ ﺑﻴﻦ ﺍﻟﻤﺴﻠﻤﻴﻦ.
} ﺍﻟَّﺬِﻳﻦَ ﻳُﻘَﺎﺗِﻠُﻮﻧَﻜُﻢْ { ﺃﻱ : ﺍﻟﺬﻳﻦ ﻫﻢ
ﻣﺴﺘﻌﺪﻭﻥ ﻟﻘﺘﺎﻟﻜﻢ , ﻭﻫﻢ ﺍﻟﻤﻜﻠﻔﻮﻥ ﺍﻟﺮﺟﺎﻝ ,
ﻏﻴﺮ ﺍﻟﺸﻴﻮﺥ ﺍﻟﺬﻳﻦ ﻻ ﺭﺃﻱ ﻟﻬﻢ ﻭﻻ ﻗﺘﺎﻝ.
ﻭﺍﻟﻨﻬﻲ ﻋﻦ ﺍﻻﻋﺘﺪﺍﺀ , ﻳﺸﻤﻞ ﺃﻧﻮﺍﻉ ﺍﻻﻋﺘﺪﺍﺀ
ﻛﻠﻬﺎ , ﻣﻦ ﻗﺘﻞ ﻣﻦ ﻻ ﻳﻘﺎﺗﻞ , ﻣﻦ ﺍﻟﻨﺴﺎﺀ ,
ﻭﺍﻟﻤﺠﺎﻧﻴﻦ ﻭﺍﻷﻃﻔﺎﻝ , ﻭﺍﻟﺮﻫﺒﺎﻥ ﻭﻧﺤﻮﻫﻢ
ﻭﺍﻟﺘﻤﺜﻴﻞ ﺑﺎﻟﻘﺘﻠﻰ , ﻭﻗﺘﻞ ﺍﻟﺤﻴﻮﺍﻧﺎﺕ , ﻭﻗﻄﻊ
ﺍﻷﺷﺠﺎﺭ ] ﻭﻧﺤﻮﻫﺎ [ , ﻟﻐﻴﺮ ﻣﺼﻠﺤﺔ ﺗﻌﻮﺩ
ﻟﻠﻤﺴﻠﻤﻴﻦ.
ﻭﻣﻦ ﺍﻻﻋﺘﺪﺍﺀ , ﻣﻘﺎﺗﻠﺔ ﻣﻦ ﺗﻘﺒﻞ ﻣﻨﻬﻢ
ﺍﻟﺠﺰﻳﺔ ﺇﺫﺍ ﺑﺬﻟﻮﻫﺎ , ﻓﺈﻥ ﺫﻟﻚ ﻻ ﻳﺠﻮﺯ.
} ﻭَﺍﻗْﺘُﻠُﻮﻫُﻢْ ﺣَﻴْﺚُ ﺛَﻘِﻔْﺘُﻤُﻮﻫُﻢْ { ﻫﺬﺍ ﺃﻣﺮ
ﺑﻘﺘﺎﻟﻬﻢ , ﺃﻳﻨﻤﺎ ﻭﺟﺪﻭﺍ ﻓﻲ ﻛﻞ ﻭﻗﺖ , ﻭﻓﻲ
ﻛﻞ ﺯﻣﺎﻥ ﻗﺘﺎﻝ ﻣﺪﺍﻓﻌﺔ , ﻭﻗﺘﺎﻝ ﻣﻬﺎﺟﻤﺔ ﺛﻢ
ﺍﺳﺘﺜﻨﻰ ﻣﻦ ﻫﺬﺍ ﺍﻟﻌﻤﻮﻡ ﻗﺘﺎﻟﻬﻢ } ﻋِﻨْﺪَ
ﺍﻟْﻤَﺴْﺠِﺪِ ﺍﻟْﺤَﺮَﺍﻡِ { ﻭﺃﻧﻪ ﻻ ﻳﺠﻮﺯ ﺇﻻ ﺃﻥ
ﻳﺒﺪﺃﻭﺍ ﺑﺎﻟﻘﺘﺎﻝ , ﻓﺈﻧﻬﻢ ﻳﻘﺎﺗﻠﻮﻥ ﺟﺰﺍﺀ ﻟﻬﻢ
ﻋﻠﻰ ﺍﻋﺘﺪﺍﺋﻬﻢ، ﻭﻫﺬﺍ ﻣﺴﺘﻤﺮ ﻓﻲ ﻛﻞ ﻭﻗﺖ ,
ﺣﺘﻰ ﻳﻨﺘﻬﻮﺍ ﻋﻦ ﻛﻔﺮﻫﻢ ﻓﻴﺴﻠﻤﻮﺍ , ﻓﺈﻥ ﺍﻟﻠﻪ
ﻳﺘﻮﺏ ﻋﻠﻴﻬﻢ , ﻭﻟﻮ ﺣﺼﻞ ﻣﻨﻬﻢ ﻣﺎ ﺣﺼﻞ
ﻣﻦ ﺍﻟﻜﻔﺮ ﺑﺎﻟﻠﻪ , ﻭﺍﻟﺸ
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://plus.google.com/app/basic/111256749054740632836
ابوهزاع الدقنسابي
المدير العام
المدير العام
ابوهزاع الدقنسابي


عدد المساهمات : 890
نقاط : 5127
مرسئ : 0
تاريخ التسجيل : 26/08/2013
الموقع : شبكة منتديات القريه عشرين
العمل/الترفيه : المدير العام

تفسير سورة البقرة من الايه 177الى 202 Empty
مُساهمةموضوع: رد: تفسير سورة البقرة من الايه 177الى 202   تفسير سورة البقرة من الايه 177الى 202 Emptyالجمعة أبريل 11, 2014 12:16 pm

نواصل
______

{ وَاقْتُلُوهُمْ حَيْثُ ثَقِفْتُمُوهُمْ } هذا أمر بقتالهم, أينما وجدوا في كل وقت, وفي كل زمان قتال مدافعة, وقتال مهاجمة ثم استثنى من هذا العموم قتالهم { عِنْدَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ } وأنه لا يجوز إلا أن يبدأوا بالقتال, فإنهم يقاتلون جزاء لهم على اعتدائهم، وهذا مستمر في كل وقت, حتى ينتهوا عن كفرهم فيسلموا, فإن الله يتوب عليهم, ولو حصل منهم ما حصل من الكفر بالله, والشرك في المسجد الحرام, وصد الرسول والمؤمنين عنه وهذا من رحمته وكرمه بعباده.

ولما كان القتال عند المسجد الحرام, يتوهم أنه مفسدة في هذا البلد الحرام, أخبر تعالى أن المفسدة بالفتنة عنده بالشرك, والصد عن دينه, أشد من مفسدة القتل, فليس عليكم - أيها المسلمون - حرج في قتالهم.

ويستدل بهذه الآية على القاعدة المشهورة، وهي: أنه يرتكب أخف المفسدتين, لدفع أعلاهما.

ثم ذكر تعالى المقصود من القتال في سبيله, وأنه ليس المقصود به, سفك دماء الكفار, وأخذ أموالهم، ولكن المقصود به أن { يَكُونَ الدِّينُ لِلَّهِ } تعالى, فيظهر دين الله [تعالى], على سائر الأديان, ويدفع كل ما يعارضه, من الشرك وغيره, وهو المراد بالفتنة، فإذا حصل هذا المقصود, فلا قتل ولا قتال، { فَإِنِ انْتَهَوْا } عن قتالكم عند المسجد الحرام { فَلَا عُدْوَانَ إِلَّا عَلَى الظَّالِمِينَ } أي: فليس عليهم منكم اعتداء, إلا من ظلم منهم, فإنه يستحق المعاقبة, بقدر ظلمه.


{ 194 } { الشَّهْرُ الْحَرَامُ بِالشَّهْرِ الْحَرَامِ وَالْحُرُمَاتُ قِصَاصٌ فَمَنِ اعْتَدَى عَلَيْكُمْ فَاعْتَدُوا عَلَيْهِ بِمِثْلِ مَا اعْتَدَى عَلَيْكُمْ وَاتَّقُوا اللَّهَ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ مَعَ الْمُتَّقِينَ }

يقول تعالى: { الشَّهْرُ الْحَرَامُ بِالشَّهْرِ الْحَرَامِ } يحتمل أن يكون المراد به ما وقع من صد المشركين للنبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه عام الحديبية, عن الدخول لمكة, وقاضوهم على دخولها من قابل, وكان الصد والقضاء في شهر حرام, وهو ذو القعدة, فيكون هذا بهذا، فيكون فيه, تطييب لقلوب الصحابة, بتمام نسكهم, وكماله.

ويحتمل أن يكون المعنى: إنكم إن قاتلتموهم في الشهر الحرام فقد قاتلوكم فيه, وهم المعتدون, فليس عليكم في ذلك حرج، وعلى هذا فيكون قوله: { وَالْحُرُمَاتُ قِصَاصٌ } من باب عطف العام على الخاص، أي: كل شيء يحترم من شهر حرام, أو بلد حرام, أو إحرام, أو ما هو أعم من ذلك, جميع ما أمر الشرع باحترامه, فمن تجرأ عليها فإنه يقتص منه، فمن قاتل في الشهر الحرام, قوتل، ومن هتك البلد الحرام, أخذ منه الحد, ولم يكن له حرمة، ومن قتل مكافئا له قتل به, ومن جرحه أو قطع عضوا, منه, اقتص منه، ومن أخذ مال غيره المحترم, أخذ منه بدله، ولكن هل لصاحب الحق أن يأخذ من ماله بقدر حقه أم لا؟ خلاف بين العلماء, الراجح من ذلك, أنه إن كان سبب الحق ظاهرا كالضيف, إذا لم يقره غيره, والزوجة, والقريب إذا امتنع من تجب عليه النفقة [من الإنفاق عليه] فإنه يجوز أخذه من ماله.

وإن كان السبب خفيا, كمن جحد دين غيره, أو خانه في وديعة, أو سرق منه ونحو ذلك, فإنه لا يجوز له أن يأخذ من ماله مقابلة له, جمعا بين الأدلة, ولهذا قال تعالى, تأكيدا وتقوية لما تقدم: { فَمَنِ اعْتَدَى عَلَيْكُمْ فَاعْتَدُوا عَلَيْهِ بِمِثْلِ مَا اعْتَدَى عَلَيْكُمْ } هذا تفسير لصفة المقاصة, وأنها هي المماثلة في مقابلة المعتدي.

ولما كانت النفوس - في الغالب - لا تقف على حدها إذا رخص لها في المعاقبة لطلبها التشفي, أمر تعالى بلزوم تقواه, التي هي الوقوف عند حدوده, وعدم تجاوزها, وأخبر تعالى أنه { مَعَ الْمُتَّقِينَ } أي: بالعون, والنصر, والتأييد, والتوفيق.

ومن كان الله معه, حصل له السعادة الأبدية، ومن لم يلزم التقوى تخلى عنه وليه, وخذله, فوكله إلى نفسه فصار هلاكه أقرب إليه من حبل الوريد.


{ 195 } { وَأَنْفِقُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلَا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ وَأَحْسِنُوا إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ }

يأمر تعالى عباده بالنفقة في سبيله, وهو إخراج الأموال في الطرق الموصلة إلى الله، وهي كل طرق الخير, من صدقة على مسكين, أو قريب, أو إنفاق على من تجب مؤنته.

وأعظم ذلك وأول ما دخل في ذلك الإنفاق في الجهاد في سبيل الله، فإن النفقة فيه جهاد بالمال, وهو فرض كالجهاد بالبدن، وفيها من المصالح العظيمة, الإعانة على تقوية المسلمين, وعلى توهية الشرك وأهله, وعلى إقامة دين الله وإعزازه، فالجهاد في سبيل الله لا يقوم إلا على ساق النفقة، فالنفقة له كالروح, لا يمكن وجوده بدونها، وفي ترك الإنفاق في سبيل الله, إبطال للجهاد, وتسليط للأعداء, وشدة تكالبهم، فيكون قوله تعالى: { وَلَا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ } كالتعليل لذلك، والإلقاء باليد إلى التهلكة يرجع إلى أمرين: ترك ما أمر به العبد, إذا كان تركه موجبا أو مقاربا لهلاك البدن أو الروح، وفعل ما هو سبب موصل إلى تلف النفس أو الروح, فيدخل تحت ذلك أمور كثيرة، فمن ذلك, ترك الجهاد في سبيل الله, أو النفقة فيه, الموجب لتسلط الأعداء، ومن ذلك تغرير الإنسان بنفسه في مقاتلة أو سفر مخوف, أو محل مسبعة أو حيات, أو يصعد شجرا أو بنيانا خطرا, أو يدخل تحت شيء فيه خطر ونحو ذلك، فهذا ونحوه, ممن ألقى بيده إلى التهلكة.

ومن الإلقاء باليد إلى التهلكة الإقامة على معاصي الله, واليأس من التوبة، ومنها ترك ما أمر الله به من الفرائض, التي في تركها هلاك للروح والدين.

ولما كانت النفقة في سبيل الله نوعا من أنواع الإحسان, أمر بالإحسان عموما فقال: { وَأَحْسِنُوا إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ } وهذا يشمل جميع أنواع الإحسان, لأنه لم يقيده بشيء دون شيء، فيدخل فيه الإحسان بالمال كما تقدم.

ويدخل فيه الإحسان بالجاه, بالشفاعات ونحو ذلك، ويدخل في ذلك, الإحسان بالأمر بالمعروف, والنهي عن المنكر, وتعليم العلم النافع، ويدخل في ذلك قضاء حوائج الناس, من تفريج كرباتهم وإزالة شداتهم, وعيادة مرضاهم, وتشييع جنائزهم, وإرشاد ضالهم, وإعانة من يعمل عملا, والعمل لمن لا يحسن العمل ونحو ذلك, مما هو من الإحسان الذي أمر الله به، ويدخل في الإحسان أيضا, الإحسان في عبادة الله تعالى, وهو كما ذكر النبي صلى الله عليه وسلم: " أن تعبد الله كأنك تراه, فإن لم تكن تراه, فإنه يراك "

فمن اتصف بهذه الصفات, كان من الذين قال الله فيهم: { لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا الْحُسْنَى وَزِيَادَةٌ } وكان الله معه يسدده ويرشده ويعينه على كل أموره.


{ ولما فرغ تعالى من [ذكر] أحكام الصيام فالجهاد, ذكر أحكام الحج فقال: 196 } { وَأَتِمُّوا الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ لِلَّهِ فَإِنْ أُحْصِرْتُمْ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ وَلَا تَحْلِقُوا رُءُوسَكُمْ حَتَّى يَبْلُغَ الْهَدْيُ مَحِلَّهُ فَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ مَرِيضًا أَوْ بِهِ أَذًى مِنْ رَأْسِهِ فَفِدْيَةٌ مِنْ صِيَامٍ أَوْ صَدَقَةٍ أَوْ نُسُكٍ فَإِذَا أَمِنْتُمْ فَمَنْ تَمَتَّعَ بِالْعُمْرَةِ إِلَى الْحَجِّ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيَامُ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ فِي الْحَجِّ وَسَبْعَةٍ إِذَا رَجَعْتُمْ تِلْكَ عَشَرَةٌ كَامِلَةٌ ذَلِكَ لِمَنْ لَمْ يَكُنْ أَهْلُهُ حَاضِرِي الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَاتَّقُوا اللَّهَ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ }

يستدل بقوله [تعالى]: { وَأَتِمُّوا الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ } على أمور:



أحدها: وجوب الحج والعمرة, وفرضيتهما.

الثاني: وجوب إتمامهما بأركانهما, وواجباتهما, التي قد دل عليها فعل النبي صلى الله عليه وسلم وقوله: " خذوا عني مناسككم "

الثالث: أن فيه حجة لمن قال بوجوب العمرة.

الرابع: أن الحج والعمرة يجب إتمامهما بالشروع فيهما, ولو كانا نفلا.

الخامس: الأمر بإتقانهما وإحسانهما, وهذا قدر زائد على فعل ما يلزم لهما.

السادس: وفيه الأمر بإخلاصهما لله تعالى.

السابع: أنه لا يخرج المحرم بهما بشيء من الأشياء حتى يكملهما, إلا بما استثناه الله, وهو الحصر, فلهذا قال: { فَإِنْ أُحْصِرْتُمْ } أي: منعتم من الوصول إلى البيت لتكميلهما, بمرض, أو ضلالة, أو عدو, ونحو ذلك من أنواع الحصر, الذي هو المنع.

{ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ } أي: فاذبحوا ما استيسر من الهدي, وهو سبع بدنة, أو سبع بقرة, أو شاة يذبحها المحصر, ويحلق ويحل من إحرامه بسبب الحصر كما فعل النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه, لما صدهم المشركون عام الحديبية، فإن لم يجد الهدي, فليصم بدله عشرة أيام كما في المتمتع ثم يحل.

ثم قال تعالى: { وَلَا تَحْلِقُوا رُءُوسَكُمْ حَتَّى يَبْلُغَ الْهَدْيُ مَحِلَّهُ } وهذا من محظورات الإحرام, إزالة الشعر, بحلق أو غيره, لأن المعنى واحد من الرأس, أو من البدن, لأن المقصود من ذلك, حصول الشعث والمنع من الترفه بإزالته, وهو موجود في بقية الشعر.

وقاس كثير من العلماء على إزالة الشعر, تقليم الأظفار بجامع الترفه، ويستمر المنع مما ذكر, حتى يبلغ الهدي محله, وهو يوم النحر، والأفضل أن يكون الحلق بعد النحر, كما تدل عليه الآية.

ويستدل بهذه الآية على أن المتمتع إذا ساق الهدي, لم يتحلل من عمرته قبل يوم النحر، فإذا طاف وسعى للعمرة, أحرم بالحج, ولم يكن له إحلال بسبب سوق الهدي، وإنما منع تبارك وتعالى من ذلك, لما فيه من الذل والخضوع لله والانكسار له, والتواضع الذي هو عين مصلحة العبد, وليس عليه في ذلك من ضرر، فإذا حصل الضرر بأن كان به أذى من مرض, ينتفع بحلق رأسه له, أو قروح, أو قمل ونحو ذلك فإنه يحل له أن يحلق رأسه, ولكن يكون عليه فدية من صيام ثلاثة أيام, أو صدقة على ستة مساكين أو نسك ما يجزئ في أضحية, فهو مخير، والنسك أفضل, فالصدقة, فالصيام.

ومثل هذا, كل ما كان في معنى ذلك, من تقليم الأظفار, أو تغطية الرأس, أو لبس المخيط, أو الطيب, فإنه يجوز عند الضرورة, مع وجوب الفدية المذكورة لأن القصد من الجميع, إزالة ما به يترفه.

ثم قال تعالى: { فَإِذَا أَمِنْتُمْ } أي: بأن قدرتم على البيت من غير مانع عدو وغيره، { فَمَنْ تَمَتَّعَ بِالْعُمْرَةِ إِلَى الْحَجِّ } بأن توصل بها إليه, وانتفع بتمتعه بعد الفراغ منها.

{ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ } أي: فعليه ما تيسر من الهدي, وهو ما يجزئ في أضحية، وهذا دم نسك, مقابلة لحصول النسكين له في سفرة واحدة, ولإنعام الله عليه بحصول الانتفاع بالمتعة بعد فراغ العمرة, وقبل الشروع في الحج، ومثلها القِران لحصول النسكين له.

ويدل مفهوم الآية, على أن المفرد للحج, ليس عليه هدي، ودلت الآية, على جواز, بل فضيلة المتعة, وعلى جواز فعلها في أشهر الحج.

{ فَمَنْ لَمْ يَجِدْ } أي الهدي أو ثمنه { فَصِيَامُ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ فِي الْحَجِّ } أول جوازها من حين الإحرام بالعمرة, وآخرها ثلاثة أيام بعد النحر, أيام رمي الجمار, والمبيت بـ "منى" ولكن الأفضل منها, أن يصوم السابع, والثامن, والتاسع، { وَسَبْعَةٍ إِذَا رَجَعْتُمْ } أي: فرغتم من أعمال الحج, فيجوز فعلها في مكة, وفي الطريق, وعند وصوله إلى أهله.

{ ذَلِكَ } المذكور من وجوب الهدي على المتمتع { لِمَنْ لَمْ يَكُنْ أَهْلُهُ حَاضِرِي الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ } بأن كان عند مسافة قصر فأكثر, أو بعيدا عنه عرفات, فهذا الذي يجب عليه الهدي, لحصول النسكين له في سفر واحد، وأما من كان أهله من حاضري المسجد الحرام, فليس عليه هدي لعدم الموجب لذلك.

{ وَاتَّقُوا اللَّهَ } أي: في جميع أموركم, بامتثال أوامره, واجتناب نواهيه، ومن ذلك, امتثالكم, لهذه المأمورات, واجتناب هذه المحظورات المذكورة في هذه الآية.

{ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ } أي: لمن عصاه, وهذا هو الموجب للتقوى, فإن من خاف عقاب الله, انكف عما يوجب العقاب، كما أن من رجا ثواب الله عمل لما يوصله إلى الثواب، وأما من لم يخف العقاب, ولم يرج الثواب, اقتحم المحارم, وتجرأ على ترك الواجبات.

{ 197 } { الْحَجُّ أَشْهُرٌ مَعْلُومَاتٌ فَمَنْ فَرَضَ فِيهِنَّ الْحَجَّ فَلَا رَفَثَ وَلَا فُسُوقَ وَلَا جِدَالَ فِي الْحَجِّ وَمَا تَفْعَلُوا مِنْ خَيْرٍ يَعْلَمْهُ اللَّهُ وَتَزَوَّدُوا فَإِنَّ خَيْرَ الزَّادِ التَّقْوَى وَاتَّقُونِ يَا أُولِي الْأَلْبَابِ }

يخبر تعالى أن { الْحَجَّ } واقع في { أَشْهُرٌ مَعْلُومَاتٌ } عند المخاطبين, مشهورات, بحيث لا تحتاج إلى تخصيص، كما احتاج الصيام إلى تعيين شهره, وكما بين تعالى أوقات الصلوات الخمس.

وأما الحج فقد كان من ملة إبراهيم, التي لم تزل مستمرة في ذريته معروفة بينهم.

والمراد بالأشهر المعلومات عند جمهور العلماء: شوال, وذو القعدة, وعشر من ذي الحجة, فهي التي يقع فيها الإحرام بالحج غالبا.

{ فَمَنْ فَرَضَ فِيهِنَّ الْحَجَّ } أي: أحرم به, لأن الشروع فيه يصيره فرضا, ولو كان نفلا.

واستدل بهذه الآية الشافعي ومن تابعه, على أنه لا يجوز الإحرام بالحج قبل أشهره، قلت لو قيل: إن فيها دلالة لقول الجمهور, بصحة الإحرام [بالحج] قبل أشهره لكان قريبا، فإن قوله: { فَمَنْ فَرَضَ فِيهِنَّ الْحَجَّ } دليل على أن الفرض قد يقع في الأشهر المذكورة وقد لا يقع فيها, وإلا لم يقيده.

وقوله: { فَلَا رَفَثَ وَلَا فُسُوقَ وَلَا جِدَالَ فِي الْحَجِّ } أي: يجب أن تعظموا الإحرام بالحج, وخصوصا الواقع في أشهره, وتصونوه عن كل ما يفسده أو ينقصه, من الرفث وهو الجماع ومقدماته الفعلية والقولية, خصوصا عند النساء بحضرتهن.

والفسوق وهو: جميع المعاصي, ومنها محظورات الإحرام.

والجدال وهو: المماراة والمنازعة والمخاصمة, لكونها تثير الشر, وتوقع العداوة.

والمقصود من الحج, الذل والانكسار لله, والتقرب إليه بما أمكن من القربات, والتنزه عن مقارفة السيئات, فإنه بذلك يكون مبرورا والمبرور, ليس له جزاء إلا الجنة، وهذه الأشياء وإن كانت ممنوعة في كل مكان وزمان, فإنها يتغلظ المنع عنها في الحج.

واعلم أنه لا يتم التقرب إلى الله بترك المعاصي حتى يفعل الأوامر، ولهذا قال تعالى: { وَمَا تَفْعَلُوا مِنْ خَيْرٍ يَعْلَمْهُ اللَّهُ } أتى بـ " من " لتنصيص على العموم، فكل خير وقربة وعبادة, داخل في ذلك، أي: فإن الله به عليم, وهذا يتضمن غاية الحث على أفعال الخير, وخصوصا في تلك البقاع الشريفة والحرمات المنيفة, فإنه ينبغي تدارك ما أمكن تداركه فيها, من صلاة, وصيام, وصدقة, وطواف, وإحسان قولي وفعلي.

ثم أمر تعالى بالتزود لهذا السفر المبارك, فإن التزود فيه الاستغناء عن المخلوقين, والكف عن أموالهم, سؤالا واستشرافا، وفي الإكثار منه نفع وإعانة للمسافرين, وزيادة قربة لرب العالمين، وهذا الزاد الذي المراد منه إقامة البنية بلغة ومتاع.

وأما الزاد الحقيقي المستمر نفعه لصاحبه, في دنياه, وأخراه, فهو زاد التقوى الذي هو زاد إلى دار القرار, وهو الموصل لأكمل لذة, وأجل نعيم دائم أبدا، ومن ترك هذا الزاد, فهو المنقطع به الذي هو عرضة لكل شر, وممنوع من الوصول إلى دار المتقين. فهذا مدح للتقوى.

ثم أمر بها أولي الألباب فقال: { وَاتَّقُونِ يَا أُولِي الْأَلْبَابِ } أي: يا أهل العقول الرزينة, اتقوا ربكم الذي تقواه أعظم ما تأمر به العقول, وتركها دليل على الجهل, وفساد الرأي.

{ 198 - 202 } { لَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَنْ تَبْتَغُوا فَضْلًا مِنْ رَبِّكُمْ فَإِذَا أَفَضْتُمْ مِنْ عَرَفَاتٍ فَاذْكُرُوا اللَّهَ عِنْدَ الْمَشْعَرِ الْحَرَامِ وَاذْكُرُوهُ كَمَا هَدَاكُمْ وَإِنْ كُنْتُمْ مِنْ قَبْلِهِ لَمِنَ الضَّالِّينَ * ثُمَّ أَفِيضُوا مِنْ حَيْثُ أَفَاضَ النَّاسُ وَاسْتَغْفِرُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ * فَإِذَا قَضَيْتُمْ مَنَاسِكَكُمْ فَاذْكُرُوا اللَّهَ كَذِكْرِكُمْ آبَاءَكُمْ أَوْ أَشَدَّ ذِكْرًا فَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَقُولُ رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا وَمَا لَهُ فِي الْآخِرَةِ مِنْ خَلَاقٍ * وَمِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ * أُولَئِكَ لَهُمْ نَصِيبٌ مِمَّا كَسَبُوا وَاللَّهُ سَرِيعُ الْحِسَابِ }

لما أمر تعالى بالتقوى, أخبر تعالى أن ابتغاء فضل الله بالتكسب في مواسم الحج وغيره, ليس فيه حرج إذا لم يشغل عما يجب إذا كان المقصود هو الحج, وكان الكسب حلالا منسوبا إلى فضل الله, لا منسوبا إلى حذق العبد, والوقوف مع السبب, ونسيان المسبب, فإن هذا هو الحرج بعينه.

وفي قوله: { فَإِذَا أَفَضْتُمْ مِنْ عَرَفَاتٍ فَاذْكُرُوا اللَّهَ عِنْدَ الْمَشْعَرِ الْحَرَامِ } دلالة على أمور:

أحدها: الوقوف بعرفة, وأنه كان معروفا أنه ركن من أركان الحج، فالإفاضة من عرفات, لا تكون إلا بعد الوقوف.

الثاني: الأمر بذكر الله عند المشعر الحرام, وهو المزدلفة, وذلك أيضا معروف, يكون ليلة النحر بائتا بها, وبعد صلاة الفجر, يقف في المزدلفة داعيا, حتى يسفر جدا, ويدخل في ذكر الله عنده, إيقاع الفرائض والنوافل فيه.

الثالث: أن الوقوف بمزدلفة, متأخر عن الوقوف بعرفة, كما تدل عليه الفاء والترتيب.

الرابع, والخامس: أن عرفات ومزدلفة, كلاهما من مشاعر الحج المقصود فعلها, وإظهارها.

السادس: أن مزدلفة في الحرم, كما قيده بالحرام.

السابع: أن عرفة في الحل, كما هو مفهوم التقييد بـ " مزدلفة "

{ وَاذْكُرُوهُ كَمَا هَدَاكُمْ وَإِنْ كُنْتُمْ مِنْ قَبْلِهِ لَمِنَ الضَّالِّينَ } أي: اذكروا الله تعالى كما منّ عليكم بالهداية بعد الضلال, وكما علمكم ما لم تكونوا تعلمون، فهذه من أكبر النعم, التي يجب شكرها ومقابلتها بذكر المنعم بالقلب واللسان.

{ ثُمَّ أَفِيضُوا مِنْ حَيْثُ أَفَاضَ النَّاسُ } أي: ثم أفيضوا من مزدلفة من حيث أفاض الناس, من لدن إبراهيم عليه السلام إلى الآن، والمقصود من هذه الإفاضة كان معروفا عندهم, وهو رمي الجمار, وذبح الهدايا, والطواف, والسعي, والمبيت بـ " منى " ليالي التشريق وتكميل باقي المناسك.

ولما كانت [هذه] الإفاضة, يقصد بها ما ذكر, والمذكورات آخر المناسك, أمر تعالى عند الفراغ منها باستغفاره والإكثار من ذكره، فالاستغفار للخلل الواقع من العبد, في أداء عبادته وتقصيره فيها، وذكر الله شكر الله على إنعامه عليه بالتوفيق لهذه العبادة العظيمة والمنة الجسيمة.

وهكذا ينبغي للعبد, كلما فرغ من عبادة, أن يستغفر الله عن التقصير, ويشكره على التوفيق, لا كمن يرى أنه قد أكمل العبادة, ومن بها على ربه, وجعلت له محلا ومنزلة رفيعة, فهذا حقيق بالمقت, ورد الفعل، كما أن الأول, حقيق بالقبول والتوفيق لأعمال أخر.

ثم أخبر تعالى عن أحوال الخلق, وأن الجميع يسألونه مطالبهم, ويستدفعونه ما يضرهم, ولكن مقاصدهم تختلف، فمنهم: { مَنْ يَقُولُ رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا } أي: يسأله من مطالب الدنيا ما هو من شهواته, وليس له في الآخرة من نصيب, لرغبته عنها, وقصر همته على الدنيا، ومنهم من يدعو الله لمصلحة الدارين, ويفتقر إليه في مهمات دينه ودنياه، وكل من هؤلاء وهؤلاء, لهم نصيب من كسبهم وعملهم, وسيجازيهم تعالى على حسب أعمالهم, وهماتهم ونياتهم, جزاء دائرا بين العدل والفضل, يحمد عليه أكمل حمد وأتمه، وفي هذه الآية دليل على أن الله يجيب دعوة كل داع, مسلما أو كافرا, أو فاسقا، ولكن ليست إجابته دعاء من دعاه, دليلا على محبته له وقربه منه, إلا في مطالب الآخرة ومهمات الدين.

والحسنة المطلوبة في الدنيا يدخل فيها كل ما يحسن وقعه عند العبد, من رزق هنيء واسع حلال, وزوجة صالحة, وولد تقر به العين, وراحة, وعلم نافع, وعمل صالح, ونحو ذلك, من المطالب المحبوبة والمباحة.

وحسنة الآخرة, هي السلامة من العقوبات, في القبر, والموقف, والنار, وحصول رضا الله, والفوز بالنعيم المقيم, والقرب من الرب الرحيم، فصار هذا الدعاء, أجمع دعاء وأكمله, وأولاه بالإيثار, ولهذا كان النبي صلى الله عليه وسلم يكثر من الدعاء به, والحث عليه.

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://plus.google.com/app/basic/111256749054740632836
 
تفسير سورة البقرة من الايه 177الى 202
الرجوع الى أعلى الصفحة 
صفحة 1 من اصل 1
 مواضيع مماثلة
-
» تفسير سورة البقرة من الايه 151حتى الايه 176
» تفسير سورة البقرة من الايه 79حتى الايه 100
» تفسير سورة البقرة من الايه 203 حتى 225
» تفسير سورة البقرة من الايه 253_286
» تفسير سورة البقرة من الايه 101_125

صلاحيات هذا المنتدى:لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
عبق التواصل  :: المنتديات :: المنتدي الإسلامي :: القران والتفسير-
انتقل الى: