قبل يومين من السفر ... قلت لعمي اريد ان اكون معكم و لا اود السفر للخرطوم اريد ان اكون مع آمال و فاطمة
حينها لم ابلغ الست سنوات
حضنني عمي و هو يداعبني و قال لي لن تغادرنا .. ستظل معي هنا
و حانت لحظات السفر .. و الاقارب و الاهل مجتمعون جميعهم ببيت عمي للوداع و كل يحمل معه دقيقا او قمحا او سمنا او مشا او آبرييا ( الآبري ) البستني أمي و خديها اخاديد تجري الدموع فيها مجري نهر من اعالي كلمنجارو
كانت تنتحب و تبكي بكاءا حارا ... انها لحظات الوداع .. كان الحب عنوان الاهل ... يودعون امي كأنها لن تعود او كانهم لن يرونها
.. من حضن الي حضن ... و من كتف الي كتف ... ومن كلمات باكيات الي همسات حنينات مبكيات .. و الرجال يودعون ابي وداعا حارا ملؤها المشاعر و الاحاسيس ... لحظات شاهدتها كثيرا في تلك الحقبة العفوية الحنينة باهلها .. و اقاربها .. الوداع كان قطعة من جهنم ... و لدي من ويل .. و حريقة مؤلمة من قنبلة هيروشيما
الفرح اولها و الي اخر يوم ثم يسدل الستار بوداع اشبه بالموت البطئ المؤلم
هكذا ساد الحب و القرابة و الصلة بينهم
رأيت عمي و خالي يتابطون كتفي أبي و يبكون بكاءا كأنهم سمعوا بوفاة نورالدين لحظتها
و ما هي الا سفر للخرطوم بعد قضاء اجازة طولها و عرضها و لاتتعدي ال ٢١ يوما ...
في تلك اللحظات لا تدري نفس بأي ارض تكون ... لحظتها انسحبت من يدي امي و ذهبت نحو عمي و الدموع تنهمر ... فأشفق علي و ذهب بي الي داخل المخزن الصغير ( أوون اودايي ) و هناك تربيزة كببرة تحتها شنطتي حديد ضخمتان و تقفل كلباش ... خبأني خلفهما ... و ذهب اليهم و اصبحت في تلك الغرفة الدامسة المظلمة خلف شنطتي الحديد الضخمتان ذات القفل الكلباش ... اقبع و اتصنت الاصوات القادمة من خلف شباكي الحزين ..
و وصل لوري السائق سليمان اتيري ... وكانو يطلقون عليه ( سليمان كتال ) اللوري الذي سيقل ابي وامي و احمد اليافع الي الخرطوم ... و اقبع انا خلف شنطتي الحديد الضخمتان في اوون اودايي و اتصنت من خلف شباكي الحزين ... و انطلق اللوري مغادرا و هو يطلق مزامير السفر و الفراق و الوداع
بحثو عني و لم يجدوني فقال عمي لابي دعه حينا و سنرسله مع احمد متولي او محمد حامد ( ق ١٦ ) كان رفيق ابي و صديقه و كان هو الاخر في اجازة ... جميعهم لهم الرحمة و المغفرة من عند الله .
و اختفت صوت المزامير ... و بعدت اصوات الناس وانا قابع خلف شنطتي الحديد ذو الكلبشات .. واتت آمال وهي تهمس مهمد ... مهمد ... ناس ابوك سافرو ... و ارسلني ابي لكي تخرج اليه .. صمت برهة لاتاكد من انها صوت امال فغيرها ربما مكيدة .. و هي تهمس بصوت حنيني
مهمد ... مهمد ... مهمد
ابوي قال ليك تعال ... طبعا بالرطانة ...
فانطلقت خارجا من خلف شنطتي الحديد الخضر اللون و ذات الكلابيش
اندفعت للخارج فرحا و مسرورا و سعيدا ... لانني لا احب الخرطوم ... و لا احب سكان الخرطوم ... و لا احب مراسيل الخرطوم
ف أبي و امي كانو دائما يرسلونني للدكان .. و لا احب ما يقارن به اهلي
يسألني منكم ... لما كل النحيب و البكاء ؟ كانو يعيشون بوادي حلفا في جزيرة تنقوري التي تحفها الجبال حول النهر .. عاشو هناك ك اسرة واحدة و بيت واحد و فرح واحد و حزن واحد و مرض و سقم واحد
الاكل و الشرب و النوم معا
عاشوها بحب و امان كانو كالاسود ضد الغريب العدو و كالنجوم عند التائهين ... و كالثمار للجائعين ... يقولون .. اتاهم عربي ضال و مريض بالحمي و قد مكث في بين جدي محمد صالح الفاضل زهاء الشهر .. ثم انطلق معافيا
فبالرغم من فراغ الاناء و قلة الحيلة ... فقد طاب للضيف المقام و الدواء ..
الا ان جاء رحيلهم الي ارض البطانة
كانما امر جبروتي من الطغاة الي المظاليم
الجهل كان له دور كببر في رضوخهم للرحول الي بلاد لا يعلمون عنها ... و ليتهم زاروها من قبل و لو بمحض صدفة ... رحلو وما تركو خبر ... بالله يا طير المشارق هل عرفت لهم خبر
رحلو و كأن رحولهم اشبه بخروج ابونا آدم من الجنة الي الأرض عقابا بسبب أمنا حواء
رحلو و حواء لم تكن لها ذنب و لا آدم و لا الشجرة المحرمة
و لكن دلك الانسان علي الانسان ... ف أول القاتلين انسان و أول القتلي هابيل
و لا يظلم الانسان الانسان
هكذا تمثلت رحولهم بعد تلك الاقامة المتجذرة من قبل بعانخي و رمسيس و موسي تهراقا و ربما الانسان الاول وربما اول من اسسوا الارض و بنوها
يقولون بان جزيرة صاي ز ما حواليها هي سرة الارض
و اكيد تنقوري و ما حواليها هي جزء قلبي و فؤادي و حتمي من جزيرة صاي اذا ما قورنت بمساحة الكون اذا ربما كنا قلب الكون و الارض و سرتها و تاجها و عنوانها
و هكذا رحلو عنها و المأقي لم تجف الا من بعد سنين ودعنا فيها الرواد و بعدهم ايضا لم تنسي باسباب حكاويهم عن البلد .. و اللكان و الاصل و الجذور و الحياة ... و حينا بعد ح
[/url" />