رثاء المرحوم الاستاذ/ محمد محي الدين عربي ... بقلم.ابونوباتيا

نورالدين ابو نوباتيا

بكت عيني وحق لها بكاها
وما يغني البكاء ولا العويل
.....................
إنطفأت روحه الطاهرة كمشكاة في مهب إعصار الموت المصيبه . فاضت معه ضحكته التي كانت تلون أقواس القزح وتعطر أجواء القرية وتؤآنس أرجاءها وتجمل شوارعها وميادينها وناديها وحواشاتها وتقاندها وماءها ومرعاها .
كانت ضحكته تلك تنثر الأمن والطمأنينة على كل من حوله وما حوله .

لأول وهلة لم أستوعب الخبر رغم أني أعرف أن الموت هو الحقيقة التي لا يختلف عليها أثنان وأن الخلود هو الوهم الذي لا يختلف عليه أثنان . تمهلت قليلاً حتى أستعيد تنفسي من وعثاء ربو الفجاءة الذي أصاب جهازي التنفسي ورمد العتامة في العيون

كان محمد عربي أكرم الناس فعالاً ، مضى لحال سبيله تاركاً مآثر جمه أولها محبة الناس والبشاشة والعشرة الطيبة وطيب المعشر وصلة الرحم وخفة الدم ومجاملة الناس .
فجعت كما فجع كل الناس . وعند ملامسة خبر النعي طبلة أذني طافت برأسي أطياف الذين طواهم الموت في القرية في الآونة الأخيرة فعرفت أن الموت أناني يحب نفسه فيختار أخيار الأخيار وكأنه يتآنس بهم ومعهم .

في سنوات العشرة الطويلة التي جمعتنا لم نسمع صوته ساخطاً أو غاضباً أو شاكياً أو متشاكياً أو لائماً . يمشي على مناكبها سوياً غير مكب ، طيباً بشوشاً بسيطاً حنوناً . صادقاً في أفعاله وأقواله وجميع أحواله مع نفسه وأسرته ومع الآخرين في القرية وخارج القرية . كانت بوصلة علاقته ترهقه وتتجه الى كل الإتجاهات .
كان لا يعرف التعصب لفئة أو الإنحياز للأشخاص بل للحق والحقيقة . يعرف أن التعصب هو أنوفليس الليالي لا تتكاثر شرنقاتها الا في المجتمعات الراكدة الجاهلة وتتسبب في ملاريات الشقاق وشيكونغونيا الخلافات . كان أكثر الناس إنفتاحاً وتكاتفاً وتقبلاً للآخر .
كان صديق من لا صديق له وأخ من لا اخ له . كان يبسط للناس إبتسامته وضحكته النابعة من القلب وحلو حديثه قبل أن يبسط لهم مائدته .

يوم وفاته هاتفني أحد أصدقائه " أمين داوود " من القرية ( ٢١) معزياً . ثم حضر الى المنزل . قال لي ( أحسست وكأن الدنيا ضاقت بي . ثم قال لي بحسرة مرت سنوات وأنا أفتقد تلك الضحكة . كان يوجعه منظر مسكين ويبكيه منظر مريض . كان إحساسه بالآخرين هو ما جعله محبوباً )

كان عربي بسيطاً وعاش بسيطاً . ورغم هذا لم يألو جهداً في تعليم أبنائه وبناته . كان هؤلاء وفي مقدمتهم أمهم . هم بدايته ونهايته وهمه الأكبر وكأني به يحفظ عن ظهر قلب :-
هيهات ما كل البكاء خور
إني وبعزم الرجال أبٍ .
الذين يعرفونه يقولون" كان رب بيت ولا في الأحلام " .

فراق محمد عربي أدمى أكبادنا وأحزن قلوبنا وأفجع أفئدتنا وأدمع عيوننا ولكن الدنيا حلاوتها ممزوجة بمرارة وراحتها ممزوجة بعناء وتعب وأحزان ، ذلك لأننا مخلوقين من ماء وطين .

قدر الله نافذ لا محاله
الموت لم يكن يوماً قضية الأموات وإنما قضية الأحياء
الاموات يحزمون حقائبهم ويرحلون . يرحلون بحسناتهم وسيئاتهم . وحقائب الموتى لا تتسع الا للحسنات والسيئات . لا تتسع لمال أو ذهب كنزوه . أو إرتكبوا كبائر لأجله . كل المال الذي نجمعه يصبح في لحظة للورثة . ولنتذكر أن الأكفان ليست لها جيوب .

لكن عزائي أن أستاذنا محمد عربي حمل وهو راحل حقيبة خفيفه لا تثقلها من السيئات إلا اللمم . ونقول لزوجته رفيقة دربه وبنت عمه وإبنه وبناته ولوجدان خاصة :-
لا يوجد إنسان لم يذق رغيف المصائب .
يقف الناس في صف الرغيف .
ويكوس رغيف المصائب عن من يأكله .
يبتليك الله ليختبرك، تصبرين فيكرمك ، وتشكرين فيزيدك ، ويغلق باباً ويفتح أبواباً كثيرة لك ولأخواتك .

تافهة هذه الحياة
( وما الحياة الدنيا الا متاع الغرور )
اللهم عامله برحمتك لا بعدلك وبإحسانك لا بميزانك .